ما هو إلاّ إدراك أمر فيه لا يدرك هذا الأمر في الادراك الكلّي ، وهو التشخّص الّذي به يصير الماهية جزئية.
إذا عرفت ذلك فتعلم أنّ الادراك الكلّي لا يتناول التشخّص ، بل التشخّص يخرج عنه ؛ فلا بدّ من التأمّل في أنّ خروج التشخّص هل هو مستلزم للتكفير أم لا؟.
فنقول : الحقّ انّ التشخّص ليس أمرا زائدا على الماهية في الخارج منضمّا إليها به تصير جزئية ، لأنّ كلّ ما يتصوّر من العوارض المنكشفة بالشخص وغيرها من الخصوصيات لها حقيقة كلّية ولا يوجد / ١٨٩ DA / شيء يكون بنفس مفهومه جزئيا ، بل الجزئية (١) انّما يتحقّق بحصول الشيء في الخارج. فالحقّ أنّ التشخّص إنّما هو نحو الوجود الخارجي للشيء ـ أعني : نحو الارتباط بالجاعل ـ ، فمناط الجزئية الّتي هي من عوارض المفهوم إنّما هو ادراك ذلك النحو من الارتباط الواقعى ـ أعني : الادراك المرتبط بهذا النحو الخاصّ من الارتباط ـ ، ومناط الكلّية ـ الّتي هي أيضا من عوارض المفهوم ـ إنّما هو بالادراك لا بهذا النحو ؛ فالاشياء الموجودة في الخارج بحسب انحاء وجوداتها الخارجية كلّها اشخاص. فان ادرك بالعلم الحصولي أو بالصورة الحاكية لنحو الارتباط الخارجي ـ كما في الصورة الخيالية ـ كانت جزئيات ، وإن ادركت بالصورة الغير الحاكية لنحو الارتباط ـ كأن تكون الصورة حاكية عن نفس الماهية لا عن نحو وقوعها وارتباطها بالجاعل الحقّ ـ كانت كليات ؛ فمناط الجزئية هو ادراك نحو الارتباط ـ سواء كان بالحسّ أو بغيره ـ ، ومناط الكلّية ادراك غير ذلك النحو من الارتباط.
وحينئذ نقول : لا ريب في أنّه على القول بالعلم الحصولي الكلّي يخرج عنه نحو الوجود الخارجي للأشياء وارتباطها الخاصّة بجاعلها ـ سواء كانت الأشياء ماديات أو مجردات ـ إذ الصورة العقلية الكلّية غير حاكية / ١٨٧ MA / عن نحو الوقوع الخارجي للأشياء وان كانت مجرّدة ؛ وحينئذ فلا وجه لتخصيص نفي علم الواجب والمبادي العالية على الوجه الجزئي بالماديات والحوادث الجزئية.
وما قيل : من أنّ النفي مختصّ بالماديات ـ لأنّ توهّم امتناع حكاية الصورة العقلية
__________________
(١) الاصل : + بل الجزئية.