والحاصل : إنّ اضافته إلى الأشياء اضافة واحدة بحسب المفهوم ، وهي إمّا مترتّبة ترتيبا سببيا أو مسببيا على حسب ترتّب المعلولات الواقعة في سلسلة الايجاد المنتهية إلى الواجب ـ سبحانه ـ الّتي يقال لها « السلسلة الطولية » ، فلا يوجب تعدّدها تكثّرا في ذاته كما لا يوجب صدور معلولاته الكثيرة المترتّبة اختلافا في وحدته الحقّة. وهذا معنى قولهم : « إنّ نسبة الأوّل إلى الثاني أمّ جميع النسب » ؛ وإمّا متجدّدة حسب تجدّد الأشياء الواقعة في سلسلة الاعداد الّتي يقال لها « السلسلة العرضية » ، فلا يوجب تغيّرا في ذاته كما لا يوجب صدور الزمانيات عنه ـ تعالى ـ تحوّلا له عمّا هو عليه في ثباته وبقائه.
وأمّا صفاته السلبية فهي أيضا مع تكثّرها وتعدّدها يرجع إلى سلب واحد هو سلب الامكان عنه. ومناطه وجوب الوجود ، فوجوب الوجود له ـ تعالى ـ يوجب سلب جميع النقائص عنه ـ تعالى ـ ، لا أن يكون سلب بعضها لأجل تحقّق معنى آخر فيه ليلزم التركيب إمّا في ذاته أو في صفاته الحقيقية الكمالية كسلب العرضية والجمادية والشجرية والفرسية من الانسان ، فانّ صدق كلّ منهما لأجل تحقّق معنى واحد من المعاني المتحقّقة فيه ؛ كالجوهرية والنموّ والحياة والنطق ، بخلاف سلب الجمادية عنه المندرجة تحته سلب الحجرية والمدرية وغير ذلك ، إذ جميعها تابعة له. فلا يكون صدقها بإزاء معانى مختلفة في الانسان ، بل بإزاء معنى واحد وهو النموّ. والحاصل : إنّ ذاته بذاته منشئا لجميع صفاته الحقيقية متحقّقة له في مرتبة ذاته وصفاته الاضافية متأخرة ، إلاّ أنّ تأخّرها لا يوجب نقصا ، لأنّ الصفات الإضافية ليست كمالات حقيقية له ـ تعالى ـ.
ثمّ إنّ اتصافه ـ تعالى ـ بتلك الصفات ـ سواء كانت حقيقية أو اضافية ـ لا يوجب تكثّرا وتركّبا واختلاف جهات وحيثيات فيه ـ سبحانه ـ ، لأنّ الصفات الإضافية ـ كلّها ـ راجعة إلى اضافة واحدة مصحّحة لجميع الإضافات المختلفة وهي اضافة المبدئية والقيومية ؛ فإنّ معنى القيومية يلزمها الخالقية والرازقية والمصوّرية وغير ذلك ، وكذا السلوب ـ كلّها ـ راجعة إلى سلب واحد / ١٩٢ DA / مصحّح لجميع السلوب وهو سلب الامكان ، فانّه يلزمه سلب الجسمية والعرضية وغير ذلك من السلوب ، فكون ذاته ـ سبحانه ـ مبدأ وموجدا للأشياء يلزمه جميع الصفات الاضافية