الانتزاع والحال أنّه ليس كذلك ـ لانّهما متساويان في كونهما منشأين لانتزاع مفهوم وجوب الوجود في نفس الأمر ـ.
وتوضيحه : انّ الانسانية المصدرية الحاكية عن كون الشيء انسانا في الواقع من زيد وعمرو مثلا لو لم يكن بسب تحقّق الجهة الجامعة الذاتية لهما لكان ينبغي أن يكون نسبة هذا المعنى المصدري الانتزاعي إليهما عند العقل كنسبته إلى ما هو فرد للانسان وما لا يكون فردا منه ـ كزيد والحجر ـ ، وبطلان التالي مستلزم لبطلان المقدّم ، فيجب تحقّق جهة الجامعة بينهما بحسب نفس الحقيقة والطبيعة الّتي بها يكون الشيء في الوقع انسانا ، فظهر منها أنّ احد الواجبين لو كان بنفس ذاته من غير مدخلية تأثير الغير فيه مصداقا لمفهوم الوجوب الانتزاعي ؛ ولا شك أنّه يجب أن يكون له محكى عنه بحسب نفس الأمر وإلاّ يلزم انتزاعه بمجرد اختراع العقل ـ كانتزاع الانسانية من الجدار ـ ؛ وهو باطل. فان لم يكن الواجب الآخر أيضا بهذا الوجه ـ أعني : كونه مصداقا بنفس ذاته بهذا المفهوم ـ لم يكن واجبا ، هذا خلف ؛ وإن كان ولم يشترك مع الآخر في جهة جامعة ذاتية بينهما لزم أن يكون انتزاع هذا المفهوم بينهما كانتزاع مفهوم الانسانية الحاكية عن حقيقة الانسان والفرسية الحاكية عن حقيقة الفرس من الفرس بأن يكون للوجوب الانتزاعي معنيين في الواجب على الاشتراك اللفظي وهذا باطل ، لأنّ الوجوب الانتزاعي الّذي هو يؤكّد الوجود الانتزاعي ليس مشتركا لفظيا ، بل مفهوما. فظهر من هذا التحقيق إنّ تعدد الواجبين يستلزم اشتراكهما في أمر ذاتي بينهما وجهة الامتياز فيهما ، فلا يخلوا حينئذ من أن يكون هذا الأمر المائز بينهما نفس جهة الاشتراك أو لازمها أو معلول لازمها ، فيلزم رفع التعدّد المفروض ؛ هذا خلف ؛ أو بسبب أمر آخر غير الواجب ـ تعالى ـ ، فيلزم الاحتياج المنافي للوجوب ؛ فثبت أنّ الواجب واحد لا شريك له ، وهو المتفرّد في السلطنة وانفاذ نور الوجود وبسطه في هياكل المهيات.
ومنها : ما ذكره بعض أعاظم العرفاء ، وهو : إنّ الواجب لمّا كان منتهى سلسلة الحاجات والتعلّقات فليس متوقّفا على شيء ، فيكون بسيط الحقيقة من جميع الوجوه ، فذاته واجب الوجود من جميع الجهات كما أنّه واجب الوجود بالذات ،