متعاقبة يكون كلّ واحد منها علّة ذاتية لما هو معها من المعدّات وعلّة عرضية لما يوجد بعدها فلا يلزم من حدوث الحوادث علل غير متناهية ؛ انتهى.
وعلى هذا فكلّ ما يصدر عنه ـ تعالى ـ يصدر على وجه لا يتصوّر أكمل ممّا هو واقع ، وإلاّ لكان صدور ما هو أنقص منه ـ تعالى ـ ملزوما لترجيح المرجوح على الراجح. فالواجب ـ سبحانه ـ أظهر بنور فيضه وجود كلّ ما هو قابل لفيضانه ، فالكلّ من الله بحسب الوجود كما يشير إليه قوله ـ تعالى ـ : ( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ ).
وامّا النقائص الواقعة في عالم الوجود فليست إلاّ من قصور ذاتيّ غير معلّل ومن قصور غير ذاتي معلّل ـ كما مرّ مفصّلا في كلام بهمنيار ـ. وقد اشير إلى ذلك في قوله ـ سبحانه ـ : ( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (١). والسّر في ذلك ـ على ما مرّ ـ أنّ الخير هو الوجود والشرّ هو العدم ، والوجود لا يكون إلاّ فائضا من جنابه ـ تعالى ـ والعدم انّما هو مقتضى الفطرة الامكانية ، فكلّ خير وكمال انّما هو من الله وكلّ شرّ ونقص فهو من طبيعة الممكن لا منه ـ سبحانه ـ.
وإذا عرفت ذلك نقول : لا ريب في أنّه إذا صدر الكلام الكاذب منه ـ سبحانه ـ يكون هذا الكذب نقصا مستندا إليه ـ تعالى ـ لا إلى الماهية القابلة ، فيجب تنزيهه ـ سبحانه ـ عنه.
ومنها : أنّه ـ سبحانه ـ لو اتصف بالكذب لكان كذبه قديما ـ إذ لا يقوم الحادث بذاته تعالى ، فيلزم أن يمتنع عليه الصدق المقابل لذلك الكذب وإلاّ لجاز زوال ذلك الكذب ، وهو محال ـ فانّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ـ ؛ واللازم ـ وهو امتناع الصدق عليه تعالى ـ باطل ، فانا نعلم بالضرورة إنّ من علم شيئا امكنه أن يخبر عنه على ما هو عليه.
وأنت خبير بأنّ هذا الوجه انّما يدلّ على كون الكلام النفسي صادقا دون اللفظي ، مع أنّ الأهمّ بيان صدق اللفظي دون النفسي.
وربما أجيب عن ذلك بما قيل في الوجه الأوّل من أنّ مرجع الصدق والكذب انّما
__________________
(١) كريمة ٧٩ ، النساء.