فيكون الكلام النفسي ـ أعني : نفس الألفاظ أو المعانى ـ غير العلم بها ، ولذا قالوا لا يصحّ / ٢١٥ DA / الحكم على الكلام النفسي بهذين التوجيهين بانّه قديم باعتبار ذاته. نعم! ، يصحّ الحكم على العلم به ـ أي : العلم المقدّم الّذي هو غير زائد على ذات الواجب تعالى ـ بانّه قديم.
قلنا : انّهم صرّحوا بأنّ الكلام النفسي هو الألفاظ أو المعاني الموجودة في الأذهان ، فقيد الموجودية في الاذهان معتبر في تعريف الكلام النفسي عندهم. ولا ريب في أنّ بعد اعتبار هذا القيد لا يكون الكلام النفسي إلاّ العلم بالالفاظ أو معانيها ، كيف ولو لم يؤخذ هذا القيد داخلا في التعريف لم يبق معنى محصّلا للكلام النفسي؟! ، إذ القول بانّ الكلام النفسي هو الألفاظ أو المعانى من دون وجودها في الذهن غير معقول. ومع اعتبار هذا القيد وإن تحقّق معنى معقول إلاّ أنّه ليس شيئا سوى العلم ؛ والمعتزلة أيضا قائلون به مع أنّ النزاع بينهم وبين الأشاعرة مشهور وتتبّع كلام الأشاعرة يعطي الجزم بانّ الكلام النفسي عندهم غير العلم ، بل قد صرّحوا بذلك ـ كما نقلناه سابقا ـ. وقد عرفت أيضا أنّ الكلام النفسي عندهم غير الكلام الحقيقي الّذي هو الصفة الازلية وغير زائد على ذات الواجب ـ تعالى ـ ، لأنّ التكلّم الحقيقي كما عرفت ـ عبارة عن قوّة القاء الكلام اللفظى وايجاده ، فيكون فردا من القدرة.
ومعلوم أنّ الأشاعرة لا يجعلون الكلام النفسي فردا من القدرة وبذلك يظهر ضعف ما ذكره بعض المشاهير حيث قال : وظنّي إنّ من حكم بانّ الكلام النفسي قديم انّما أراد به معنى التكلّم الحقيقى الّذي هو أمر مغاير للعلم والقدرة وغير زائد على الذات ، فانّ ذاته ـ تعالى ـ يقتضي القاء الكلام إلى الغير ، فالمتكلّم الحقيقى هو عبارة عن ذاته ـ تعالى ـ من حيث أنّه يقتضي القاء الكلام اللفظي أو المعنوي إلى من يصحّ أن يكون مخاطبا ، وهذا معنى غير العلم والقدرة وغيرهما من باقي الصفات الحقيقية بالاعتبار ؛ انتهى.
ووجه الضعف أمّا أوّلا : فلما عرفت من أنّ كلام الأشعري ـ على ما نقل عنهم ـ لا يمكن حمله على ذلك وإن كان ذلك في نفسه صحيحا ؛ كيف ولو كان مراد الأشاعرة ذلك لم يكن لأحد ايراد عليهم وارتفع النزاع بين الفريقين! ؛