تعالى بالأشخاص المادّية والحوادث الكونية ـ. ولا ريب في انّ ارتسام صور المادّيات في الجواهر العقلية لا ينافي القول بالعلم الحضوري الانكشافي بالنسبة إلى الجميع ، فانّه يجوز أن تكون صور المادّيات مرتسمة في الجواهر العقلية ومع ذلك تكون ذوات الصور منكشفة عنده بالعلم الحضوري ؛ كما انّ صورها أيضا كذلك.
ثمّ شيخ الاشراقي استدلّ على عدم جواز ارتسام الصور في الجواهر العقلية بأنّ انتقاش المجرّدات بصور ما تحتها إمّا يحصل ممّا تحتها ، فيلزم انفعال العالي من السافل ، وهو غير جائز ؛ أو عمّا فوقها بأن تكون الصور العارضة في بعضها حاصلة عن صور عارضه في بعض آخر ، فينتهى إلى أن تكون الصور المتكثّرة حاصلة في ذات الحقّ ـ تعالى ـ ، بل إلى أن يتكثّر في ذاته ـ تعالى عنه علوّا كبيرا ؛ ـ انتهى حاصل ما ذكره.
وأنت خبير بأنّ افاضة الصور من بعض المجرّدات إلى بعض اخر لا يستلزم تحقّقها في المفيض ، فيجوز أن تحصل الصور المرتسمة في بعض المجرّدات عمّا فوقه من دون لزوم حصول الصور في ذاته ـ سبحانه ـ.
وبالجملة فالحقّ في كيفية العلم هو ما ذكرناه ، سواء كان مطابقا لمذهب الشيخ الالهي او خالفه في جزء واحد.
ثمّ انّه أورد على المذهب المختار اشكالات كلّها مندفعة ؛ فلا بدّ لنا من ذكرها والاشارة إلى دفعها حتّى لا تبقى لأحد شبهة :
منها : ما أورده شيخ الاشراق على نفسه ثمّ أجاب عنه ، وهو : إنّا إذا علمنا شيئا إن لم يحصل فينا منه أثر فحالنا قبل ذلك العلم وبعده واحد ، وحينئذ لا معنى لادراكنا له ؛ وإن حصل فينا شيء فلا بدّ من مطابقته لذلك المدرك ، فيكون صورة ؛
وحاصل جوابه : انّ ذلك انّما هو في العلم الارتسامي ، وأمّا العلم الحضوري الشهودي فاذا حصل فينا فلا بدّ من حصول شيء للمدرك ممّا لم يكن حاصلا له قبل ذلك ـ وهو الاضافة الاشراقية فقط ـ من غير افتقار إلى المطابقة الواجبة حصولها في العلوم الصورية. وتقسيم العلوم في اوائل المنطق إلى التصوّر والتصديق إنّما هو في غير علوم المجرّدات بذواتها وغير العلم بالأشياء الّتي يكتفي في العلم بها مجرّد الاشراق الحضوري ،