الوجود العامّ مغاير لصرف الوجود القائم بالذات ـ الّذي هو الحقيقة الواجبية ـ مع أنّ أحد المصداقات والافراد له في الخارج هو الحقيقة الواجبية وليس له في الخارج سوى هذا الفرد شيء آخر زائد هو الوجود العامّ منضمّ إلى هذا الفرد ، بل التغاير انّما هو من حيث المفهوم ؛ وفي العقل وفي الخارج ليس الاّ شيء واحد بسيط ينتزع عنه هذا المفهوم ؛ فكذلك حكم التعقّل بالنسبة الى المجرّد.
وحاصل هذا الجواب : انّ ما هو المغاير لذات المجرّد إنّما هو مفهوم التعقّل وليس بإزاء هذا المفهوم في الخارج سوى الذات شيء يكون مصداقا له ، بل مصداقه هو عين ذات المجرّد بمعنى انّ فردا من التعقّل قائم بنفسه هو ذات المجرّد وليس في الخارج وراء ذاته شيء آخر هو التعقّل من قوّة زائدة أو صورة حاصلة ، كما هو فينا ؛ بل ما ينكشف الأشياء للمجرّد لذاته ليس إلاّ عين وجوده. وبهذا الطريق يصحّح عينية صفات الواجب ، فانّ الواجب ـ تعالى ـ على هذا فرد من كلّ واحد من الصفات قائم بذاته ، فانّ فردا من العلم قائم بذاته هو الواجب ـ تعالى ـ ، وكذا فردا من القدرة ... وغيرها من الصفات الكمالية. فكما انّ الحرارة إذا قامت بغيره يكون هذا الغير حارّا لأجلها والضوء إذا قام بغيره يكون هذا الغير مضيئا وإذا قام كلّ منهما بنفسه يكون حرارة وحارّا وضوء ومضيئا من غير افتقار إلى محلّ ومصداق آخر ، فكذلك التعقّل فانّه إذا كان بصورة زائدة يكون التعقّل قائما بغيره ويكون هذا الغير لأجله عاقلا وإذا قام بذاته يكون عقلا وعاقلا ؛ لا العقل والعلم بمعنى الانكشاف ـ لبداهة انّ ذاته سبحانه ليس عين الانكشاف الّذي هو أمر اعتباري ـ ، بل العقل والعلم بمعنى ما ينكشف به الشيء ـ كما هو أحد اطلاق العلم ـ. فعلى هذه الطريقة يكون صرف الوجود القائم بذاته الّذي هو حقيقة الواجب عين جميع الصفات الكمالية ، بمعنى انّه فرد لكلّ منها ، لا انّه حقيقة لا يطلق عليه تلك الصفات وإنّما هي نائب مناب الكلّ والكلّ منتزع عنها بحيث لا يلزم فيه التركّب والتكثّر ، بل هو هو بعينه والتغاير لمجرّد المفهوم ـ كالوجود الخاصّ والمطلق ـ.
لا يقال : يرد على هذه الطريقة انّه كيف يمكن أن يكون محض الوجود القائم بذاته مع كونه حقيقة مجهولة الكنه عندهم فردا للعلم الّذي هو الانكشاف أو القدرة الّتي