وحدانيا غير متغيّر بمعنى أنّ وجوداتها الفائضة إليه الحادثة ثابتة له ـ سبحانه ـ في الأزل ، وهذا كما أنّ الموجودات الذهنية موجودة في الخارج إذا فقدت بقيامها بالذهن وإذا / ١٥٨ DA / اطلقت من هذا القيد فلا وجود لها إلاّ في الذهن. فالاشياء الموجودة فيما لا يزال إذا قيدت بوجودها لله ـ سبحانه ـ كانت موجودة في الأزل ، فيكون كالموجودات الذهنية من حيث أنّها اعيان خارجية لا من حيث أنّها أمور ذهنية. وإذا اطلقت من هذا القيد لا تكون موجودة في الأزل فقط ، بل فيما لا يزال ؛ فيكون كالموجودات الذهنية من حيث أنّها أمور ذهنية فقط ، فالأزل يسع القديم والحادث والأزمنة وما فيها وما خرج عنها. وليس الأزل كالزمان واجزائه محصورا مضيقا يغيب بعضه عن بعض ويتقدّم جزء ويتأخّر ، فإنّ الحصر والضيق والغلبة من خواصّ الزمان والمكان وما يتعلّق بهما ، والأزل عبارة عن الزمان واللازمان السابق على الأزمان سبقا غير زماني وليس بين الله وبين العالم بعد مقدّر لانّه إن كان موجودا يكون من العالم وإلاّ لم يكن شيئا ولا ينسب أحدهما إلى الآخر من حيث الزمان بقبلية ولا بعدية ولا معية ـ لانتفاء الزمان عن الحقّ وعن ابتداء العالم ـ. فسقط السؤال بمتى عن العالم كما هو ساقط عن وجود الحقّ ، لانّ متى سؤال عن الزمان ولا زمان قبل العالم ، فليس إلاّ وجود خالص من العدم وهو وجود الحقّ ، ووجود من العدم وهو وجود العالم ، فالعالم حادث من غير زمان.
وإنّما يتعسّر فهم ذلك على الأكثرين لتوهّمهم الأزل جزء من الزمان يتقدّم سائر الأجزاء وان لم يسمّوه بالزمان ، فانّهم اثبتوا له معناه وتوهّموا أنّ الله ـ سبحانه ـ موجود فيه ولا موجود فيه سواه ، ثمّ أخذ يوجد الأشياء شيئا فشيئا في أجزاء آخر منه. وهذا توهّم باطل وأمر محال ، فانّه ـ سبحانه ـ ليس في زمان ولا في مكان ، بل هو محيط بهما وبما فيهما وبما معهما وما تقدّمها.
والتحقيق التامّ في ذلك يقتضي نمطا آخر من الكلام لا يسعه العقول المشوبة بالأوهام ، ونشير إلى لمعة منه لمن كان أهله ؛ فنقول :
انّ نسبة ذاته ـ سبحانه ـ إلى مخلوقاته يمتنع أن يختلف بالمعية واللامعية وإلاّ فيكون بالفعل مع بعض وبالقوّة مع بعض اخر ، فيتركّب ذاته من جهتي فعل وقوّة ويتغيّر صفاته