وإذا عرفت ذلك فنقول : قول بهمنيار : « انّه لمّا كان وجود المحسوس والمعقول في ذاته وجوده لمدركه ـ ... إلى آخره ـ » ، يحتمل في بادي النظر وجهين :
أحدهما ـ وهو الأظهر ـ : أن يكون المراد انّ الوجود في ذاته ـ أي : في نفسه ـ للمحسوس من حيث هو محسوس ، وللمعقول من حيث هو معقول ـ أي : المحسوسية والمعقولية هو الوجود للمدرك ـ ؛ وقوله : « وكان وجوده لمدركه » اشارة إلى عكس ذلك ـ أي : الوجود للمدرك أيضا هو المحسوسية والمعقولية ـ ، فيكون المراد من المقدّمتين بيان اتحاد المحسوسية والمعقولية مع الوجود للمدرك وصحّة حمل كلّ واحد على الآخر كلّيا. وجريان هذا الدعوى في كلّ واحد من العلم الحضوري والعلم الحصولي ظاهر ، امّا جريانها في العلم الحصولي فلأنّ / ١١٧ MA / وجود المعقول من حيث هو معقول ـ أعنى : وجود الصورة الحاصلة في نفسها ـ هو عين وجودها لمدركها ؛ وأمّا جريانها في العلم الحضوري فلأنّ وجود المعقول بالعلم الحضوري من حيث هو معقول ـ أي : من حيث انّه منكشف وحاضر عند العاقل ـ هو بعينه وجوده لمدركه.
وثانيهما : ان يكون المراد انّ وجود المحسوس والمعقول في ذاته ـ أي : وجوده في نفسه ـ عين وجوده لمدركه ـ أي : عين الوجود الرابطي ، كما ادّعى الشيخ في الاعراض : انّ وجودها في نفسها عين وجودها الرابطي ـ. فيكون المراد انّ وجود المحسوس والمعلوم بالعلم الحصولي والحضوري عين وجوده لمدركه. أمّا في العلم الحصولي فلأنّ المعلوم بالذات فيه هو الصورة ـ كما استقرّ عليه رأي الشيخين من أنّ المحسوس والمعقول بالذات انّما هو الصورة لا ذو الصورة ، ولا ريب في أنّ وجود الصورة في نفسها عين وجودها لمدركها ؛ ـ وأمّا في العلم الحضوري فلانّ الشيء إذا كان بنفس ذاته حاضرا عند المدرك فيكون المدرك للمدرك هو الشيء الخارجى الموجود لنفسه ، فيتحد الموجود للمدرك والموجود في نفسه ، فيكون وجوده في نفسه هو عين وجوده للمدرك. وعلى هذا الوجه يكون قوله : « وكان وجوده لمدركه » اشارة إلى دعوى آخر هي اتحاد الوجود للمدرك مع المحسوسية والمعقولية ليلزم من المقدّمتين أن / ١١٢ DA / يكون الوجود في نفسه للمحسوس والمعقول هو عين المحسوسية والمعقولية.