وفيه : انّ لزوم التغيّر والتحقّق تارة وتارة وعدم بقاء إحدى الصورتين إذا كان علمه بالجزئيات المتغيّرة الزمانية بحضورها وفرض علمه بها بالحضور زمانيا ، فلأنّه يلزم حينئذ التغيّر في العلم ولا يمكن بقاء الصورتين ـ أي : المعلومين بحضور الذات معا ـ إذا كانا في الزمانين ، إذ لا حضور لاجزاء الزمان معا بحسب الزمان. وأمّا إذا كان علمه بها حضوريا متعاليا على الزمان بريئا عن الوقوع فيه ـ كما اخترناه ـ فنقول حينئذ : لا يلزم التغيّر في علمه ولا تحقّق تارة وتارة ، بل يعقل مرّة واحدة انّها موجودة في ذلك الوقت ومعدومة في غير ذلك الوقت ، ولا يغيب عنه واحدة من الصورتين أصلا ـ كما قرّرناه وبيّناه غير مرّة ـ.
ثمّ انّه يرد على قوله : « وان ادركت بما هي مقارنة للمادة ... إلى قوله : بآلة متجزّئة » بأنّ مقارنة المادّة وعوارضها إنّما يمنع من التعقّل إذا كان الادراك بحلول صورة الشيء في المدرك وإذا كان بحضور ذاته له ـ كما في حضور المعلول عند العلّة ـ ، فلا يمنع منه أصلا ، فالجزئيات المادّية لمّا لم تكن مدركة لنا إلاّ بحصول صور زائدة فينا ولم يكن حصولها في أنفسنا المجرّدة بل يجب أن يكون في قوانا المادّية المتجزئة ، فلذلك لم يكن ادراكنا لها تعقّلا ، بل احساسا وتخيلا. ولكونها حاضرة بذواتها عند جاعلها الحقّ ـ لكونها معلولات له ـ فلا حاجة في إدراكه لها إلى حصول صورها فيه ـ تعالى عن ذلك ـ ، فيكون ادراكه ـ تعالى ـ لها عقلا. ولا حاجة هناك إلى آلة متجزئة ، فالجزئيات المادّية بما هي جزئية ومادّية شخصية وممتنعة الفرض بين كثيرين معلومة له ـ تعالى ـ من غير نقص وحاجة إلى آلة متجزئة. فظهر انّ ما ذكروه لنفي علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات المتغيّرة من حيث هي جزئيات إنّما ينفي علمه بها على تقدير كون علمه ـ تعالى ـ حصوليا ، وكذا على تقدير كونه حضوريا ـ زمانيا ـ كما مرّ ـ. وأمّا على تقدير كونه حضوريا وبريئا عن الوقوع في الزمان ـ كما هو الحقّ ـ فلا يتغيّر أصلا. قال العلاّمة الخفري ـ رحمهالله ـ بعد نقل ما نقلناه من كلام الشيخ : « أقول : يعلم من كلامه المذكور انّ الموجودات الكائنة الفاسدة لا تنكشف عند واجب الوجود إلاّ بالصور الكلّية الموجودة قبل ايجادها ، ولا تنكشف عنده ـ تعالى ـ باعتبار وجودها العيني الّتي هي متغيرة باعتباره ، ونفي هذا