فانّ في كلّ من افراد العلوم زيادة خصوصية لا توجد في غيره.
ومن الأفاضل من اجاب عن هذا الاحتجاج : بانّ هذا الاستدلال انّما يصحّ لو امكن العلم بمتعلّق الادراك الحسّي بطريق آخر غير الحسّ ، وهو باطل ؛ لأنّ الحسّ لا يتعلّق إلاّ بالجزئيات من حيث خصوصياتها ولا سبيل إلى ادراكها من هذه الجهة سوى الحسّ. وحاصله : إنّه لا يمكن ادراك الأمر المحسوس بغير الاحساس حتّى يصحّ أن يقال : نجد الفرق بين الادراكين ، لأنّ المدرك بالحسّ ليس ممّا يدرك بغير هذا الوجه من الادراك ، فلا يصدق حينئذ تحقّق الادراكين ، فلا يتمّ الدليل المبني على تحقّقهما.
وغير خفيّ بانّ هذا الجواب يمكن توجيهه بوجهين : الأوّل : إنّه إنّما ينفع استدلالكم بالفرق بين الحالتين إن امكنت الحالة الثانية ـ أعني : الرؤية بدون الاحساس ـ حتّى يتصور ثبوته للواجب ـ تعالى ـ ، وهذا باطل ؛ لانّه لا سبيل إلى تحصيل الحالة الثانية إلاّ بالحسّ وهو ممتنع في حقّه ـ سبحانه ـ.
ويرد على هذا التوجيه : إنّه يمكن ادراك الجزئيات من حيث خصوصياتها بطريق الاطّلاع الحضوري.
فان قيل : الاطّلاع الحضوري لا يشتمل على أمر زائد على العلم سيّما مع كون مطلق علمه ـ سبحانه ـ حضوريا ، فبطل ما ذكره المستدلّ من اشتمال الحالة الثانية على أمر زائد ، وهو يكفي للجواب ؛
قلنا : لو سلّم القول بأنّ الاطّلاع الحضوري للمسموعات والمبصرات للواجب القائم مقام الاحساس فينا ليس مغايرا لمطلق علمه ولا يشتمل على أمر زائد فهو جواب آخر عن الاستدلال المذكور ، ولا ينطبق كلام المجيب المذكور عليه. وكذا إن لم يسلّم عدم المغايرة وسلّم اشتماله على أمر زائد لكنه قيل : إنّه علم مغاير لسائر العلوم لأنّ في كلّ فرد من افراد العلوم زيادة خصوصية لا توجد في غيره لانه هو الجواب الّذي نقلناه عن بعض المشاهير. وما ذكره هذا المجيب على هذا التوجيه لا ينطبق عليه ، لانه منع تحقّق أصل الحالة الثانية في الواجب. فاذا قيل : إنّ الحالة الثانية هو الاطّلاع الحضوري يدفع جوابه. والتوجيه الثاني إنّه انّما يصحّ فرقكم بين الحالتين لو كان الجزئى هو معلوما بعينه