/ ١١٠ MB / الليل والنهار وجري الأودية والأنهار والجبال الراسيات والفلك الجاريات والرياح المرسلات والسحب المعصرات وأصناف البسائط والمركّبات وأنواع المعادن والنباتات وضروب الدواب والحيوانات وما دبّر في خلق شخص واحد ـ فضلا عمّا لا يخفى من غيره من ظواهر أعضائه وبواطن أحشائه وحواسّه الظاهرة والباطنة وقواه الخارجة والدّاخلة ـ كيف يمكن أن يصدر إلاّ عن عالم حكيم ؛ وإلى ذلك أشير في قوله ـ سبحانه ـ : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ... وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (١). وجميع ذلك انّما هو في عالم الحسّ والشهادة ، وهو بالنسبة إلى عالم الغيب ـ أعني : عالم المجرّدات النفسية والعقلية الّتي أدركت بنور العقل والكشف كحلقة في فلاة. وهذا الدليل يدلّ أوّلا على علمه ـ تعالى ـ بالأفعال ثمّ بواسطته يدلّ على علمه ـ تعالى ـ بذاته ، لانّ كلّ من علم شيئا يعلم انّه هو الّذي يعلمه ، والعالم بالقضية يجب أن يعلم الموضوع ، والموضوع ذاته ؛ فيجب ان يعلم بذاته. وهذا ممّا وافقه الحكماء وصرّح به الشيخان ـ : الفارابي وابن سينا ـ وادّعاه المحقّق الدوانى في شرح العقائد.
وأورد عليه بعض الفضلاء : بأنّا كثيرا ما نعلم شيئا ونغفل عن كوننا عالمين به ، ولعلّه لهذا عدل بعض المحقّقين عن دعوى ذلك إلى دعوى امكانه واثبت المطلوب بتحقّق الامكان حيث قال : إذا علم أفعاله علم ذاته ، إذ من يعلم افعاله يمكنه ان يعلم انّه أفعاله ومن امكان ذلك العلم يلزم تحقّق امكان العلم بذاته ومن امكان تحقّق العلم بذاته يلزم تحقّق العلم بذاته ـ إذ علم الشيء بذاته لا يمكنه الاّ بحضور ذاته ـ ، ومن يمكنه أن يحضر ذاته عند ذاته فقد حضر ذاته عند ذاته ، إذ لو لم يحضر لا يمكن أن يحضر ـ كما لا يخفى على المتفطّن ـ / ١٠٥ DB /. وعلى هذا فيمكن أن يجعل الدليل المذكور مع هذه العلاوة ابتداء دليلا واحدا على علمه بذاته وبما سواه بان يقال : انّه ـ تعالى ـ فاعل للأفعال المحكمة المتقنة ، وكلّ فاعل كذلك لا ينفكّ عن العلم بأفعاله ، ومن
__________________
(١) كريمة ١٦٤ ، البقرة.