وحديث العلم الإجمالي قد عرفت ما فيه مرارا.
الثالث من أدلّة المعتزلة على أنّ كلامه ـ سبحانه ـ ليس أزليا : إنّ كلامه ـ تعالى ـ لو كان ازليا لزم الكذب في إخباره ، لأنّ الإخبار بطريق المضيّ كثير في كلام الله ـ تعالى ـ ، مثل : ( إِنَّا أُرْسِلْنا ) و( قالَ مُوسى ) و( فَعَصى فِرْعَوْنُ ) إلى غير ذلك ؛ وصدقه يقتضي سبق وقوع النسبة ولا يتصوّر السبق على الأزلي ، فتعيّن الكذب ، وهو محال على الله ـ تعالى ـ.
وغير خفيّ بأنّ هذا الدليل يثبت الكلام اللفظي وحدوثه ولا ينافي ثبوت الكلام بمعنى نفس الالقاء ، لأنّه أيضا حادث ؛ ولا ثبوت الكلام الحقيقي الّذي هو عين الذات ، لأنّه ليس مدلولا للكلام اللفظي حتّى يلزم من حدوثه حدوثه.
وبذلك يظهر أنّ هذا الدليل يدلّ على بطلان الكلام النفسي القديم الّذي قال به الأشاعرة ، لانّهم إن حملوا الاخبار المذكورة الّتي وقعت بطريق المضيّ في كلامه ـ سبحانه ـ على الكلام النفسي لزم حدوثه ـ لما ذكر ؛ وإن حملوها على الكلام اللفظي بأن يقولوا إنّ المتصف بالمضي وغيره انّما هو اللفظ الحادث دون المعنى القديم أو قالوا إنّ كلامه ـ تعالى ـ في الأزل لا يتصف بشيء من الماضي والحال والاستقبال ـ لعدم الزمان ـ وانّما يتّصف بها فيما لا يزال بحسب التعلّقات وحدوث الازمنة والأوقات ؛ وبالجملة اتصافه بتلك الاوصاف ليس إلاّ باعتبار تعلّقه بالكلام اللفظي فيما لا يزال ؛ ففيه : إنّ تصحيح هذا الأمر ـ أعني : براءة كلامه تعالى في الأزل من الاوصاف المذكورة وعدم اتصاف المدلول بهما ـ غير جائز ، لوجوب التطابق بينهما.
وقال بعض المشاهير من جانب الأشاعرة : إنّ ما قالوا من أنّ كلامه الأزلي لا يتّصف بالمضيّ واخويه مرادهم منه كلامه بمعنى التكلّم الحقيقى ـ أعني : القدرة على ايجاد الكلام اللفظي ـ أو العلم بمدلول الكلام اللفظي ، وهما ليسا مدلولين للكلام اللفظي ، والمتصف بالمضيّ ومقابليه هو المعنى الّذي هو مدلول اللفظ بالحقيقة ، وبتبعية اتصافه باحدها يتّصف اللفظ الحادث به ، فيكون مدلول اللفظ الحادث حادثا لا محالة. وبالجملة لا شبهة في أنّه لا معنى للمعنى القديم غير التكلّم الحقيقي الّذي هو عين الذات أو