وليس ملخّص كلامه إلاّ أنّ مراد الأشاعرة من الكلام النفسي هو العلم الإجمالي وإنّ اطلاقه عليه صحيح ، إمّا بالتوجيه الّذي ذكره أوّلا أو بالتأويل الّذي ذكره أخيرا.
وهما مع بعدهما ومخالفتهما للاطلاقات العرفية واللغوية ممّا يأبى عنه كلام الأشاعرة ، فانّ ظاهر كلامهم عدم كون الكلام النفسي ـ الّذي قالوا ـ به هو التكلّم الحقيقى أو العلم الّذي هما غير زائدين على الذات ، فانّهم قالوا بزيادة الكلام النفسي والكلام الأزلي ؛ كيف وجميع الصفات عندهم زائدة على ذاته ـ سبحانه ـ؟!.
والحاصل أنّه فرق بين أن يقال : مرادهم ذلك ، وبين أن يقال : المعقول ذلك ؛ والمسلّم هو الثاني دون الأوّل. ولقد احسن اخيرا حيث صرّح بعدم صحّة كلام الأشاعرة بدون التأويل ، ويظهر أنّ هذا التأويل صدر عن غيرهم لا عنهم ؛ هذا.
وقد اجيب عن الدليل المذكور للمعتزلة ـ أعني : الدليل الرابع ـ : بانّ السفه والعبث انّما يلزم لو خوطب المعدوم وأمر في عدمه ، وأمّا على تقدير وجوده بأن يكون طلبا للفعل ممّن سيكون ـ كما في طلب الرجل تعلّم ولده الّذي أخبر صادق بانّه سيولد ـ وكما في خطاب النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بأوامره ونواهيه كلّ مكلّف يولد إلى يوم القيمة أو اختصاص خطاباته باهل عصره وثبوت الحكم فيمن عداهم بالاجماع أو القياس بعيد جدّا.
وأورد عليه : بانّ طلب الرجل تعلّم ولده ليس طلبا حقيقة ، بل هو العزم على الطلب وتخيّله ، وهو ممكن وليس نفسه ؛ وأمّا نفس الطلب فلا شكّ في كونه سفها ؛ بل قيل : هو غير ممكن ، لأنّ وجود الطلب بدون من يطلب منه محال.
قيل : وهذا الجواب مشهور بين الجمهور وكلامهم متردّد في أنّ معناه إنّ المعدوم مأمور في الأزل بأن يتمثّل ويأتي بالفعل على تقدير الوجود أو المعدوم ليس بمامور في الازل ، لكن لمّا استمرّ الأمر الأزلي إلى زمان وجوده صار بعد الوجود مأمورا.
قال بعض المشاهير : التحقيق أنّ ذاته ـ تعالى ـ بحيث يقتضي التكليف والأمر بعد ايجاد المكلّفين ، فمن نظر إلى أنّ ذاته ـ تعالى ـ بذاته يقتضي التكليف وأنّ ذاته منشأ للتكليف حكم بانّ المعدوم مأمور في الأزل بمعنى أنّ منشأ الأمر تحقّق في الأزل ، ومن