عاقليته للأشياء عين وجوده » على ذلك لكان صحيحا ، يعني كان مرادهم : انّ عاقليته بمعنى ما ينكشف به ذاته والأشياء هو عين وجوده وعاقليته بمعنى أنّ الانكشاف عين وجوده. فمبدأ التعقّل بمعنى الانكشاف ومنشأه هو ذات المجرّد ومصداق مفهوم التعقّل. وهذا المعنى ـ أي : ما يصدق عليه التعقّل العامّ في تعقل المجرّد لذاته ـ هو هذا التعقّل الحاصل له ، لا ذاته بعينه. إلاّ أنّ هذا المصداق أمر عرضي منتزع عن ذاته ، ومع ذلك منشأ لزيادة التجرّد وارتفاع المادّية والحجب ، فلا يلزم في الذات تركّب وتكثّر ؛ والتعقّل الّذي يكون الذات فردا منه ومصداقا له هو التعقّل بمعنى ما ينكشف ويظهر به الأشياء ، لا نفس الانكشاف والظهور.
وعلى هذا فالظاهر عدم الفرق بين هذا المذهب في تصحيح عينية الصفات ـ أعني : القول بكون ذاته فردا من كلّ صفة ـ وبين القول بالنيابة ، وكون النزاع بين القول بالفردية والنيابة لفظيا ، لانّ حاصل القول بالنيابة انّ ذاته ـ تعالى ـ نائب مناب جميع الصفات بمعنى انّ ذاته ـ تعالى ـ لمّا كان محض الوجود والوجود القائم بذاته مبدأ لجميع الصفات الكمالية من غير افتقار إلى أمر زائد قائم بذاته يكون مصحّحا لتلك الصفات والصفات بمعنى الاضافات ينتزع عنها ، ولكونها أمورا اعتبارية عرضية منتزعة عنه لا يوجب تركّبا وان كانت واقعية نفس أمرية ؛ فانّ الظاهر انّ مرادهم من قولهم : « انّ ذاته نائب مناب جميع الصفات » : انّ ذاته بمنزلة القوّة الزائدة والصورة الحاصلة فينا. وكما تكون تلك القوّة والصورة فردا من الصفة بالمعنى الحقيقي لا بالمعنى الاضافي بمعنى انّ القوّة الّتي يتمكّن بها على الفعل والترك مثلا فرد من القدرة بمعنى ما يحصل به القدرة بالمعنى الاضافي الاعتباري لا أنّها فرد من هذا المعنى الاضافي الاعتباري وانّ الصورة العلمية القائمة بانفسنا فرد من العلم بمعنى ما ينكشف به الأشياء لا أنّها فرد من الانكشاف ، فكذلك يكون ذاته ـ سبحانه ـ فردا من القدرة والعلم بالمعنى الحقيقي ـ أي : بمعنى ما يحصل به صحّة الفعل والترك وما ينكشف به الاشياء ـ. فمرادهم من النيابة انّ ذاته بالنسبة إليه ـ سبحانه ـ بمنزلة القوى العرضية والصور الزائدة بالنسبة إلينا. ولو كان مرادهم انّ القوى والصور الزائدة أفراد من الصفات بمعانيها الحقيقية ويصدق تلك الصفات عليها وذاته ـ