الانسانية فهي وإن كانت إمّا متّحدة بالنوع ـ كما ذهب إليه ارسطو واتباعه ـ أو متّحدة بالجنس مختلفة بالنوع ـ كما ذهب إليه جماعة ـ إلاّ أنّ تعقّلها لا يمكن أن يستند إلى نوعها أو جنسها أو إلى ما يتصوّر فصلا أو وصفا لازما لها ، لأنّ حدّ النفس عندهم انّها جوهر مجرّد شأنها أن يتدبّر ويتصرّف في البدن ، فقولنا : « جوهر » جنس لها والبواقي ـ أعني : التجرّد والتدبير للبدن ـ فصل أو عرض ذاتي لها ، والمجموع هو النوع لها. فلا يخلو أنّ التعقّل امّا ان يستند إلى الجنس فقط ـ أعني : الجوهرية ـ أو إلى التجرّد فقط ، أو إلى التدبير للبدن فقط ، أو إلى الجوهرية والتجرّد معا ، أو إلى الجوهرية والتدبير للبدن ، أو الى التجرّد والتدبير للبدن ، أو إلى الثلاثة ؛
فعلى الأوّل يلزم تحقّق التعقّل لكلّ جوهر ، وهو بديهي البطلان ؛
وعلى الثاني يلزم المطلوب ؛
والثالث ظاهر البطلان ، لانّ التدبير للبدن أمر عرضي للنفس مرتّب على التعقّل ، لانّها ما لم تكن متعقّلة لم يمكن لها التدبير في البدن. فالتعقّل متقدّم على التدبير ، فلا يمكن أن يكون متأخّرا عنه معلولا له. وبالجملة عدم منشئيته ومصحّحيته للتعقّل أمر ظاهر ؛
وعلى البواقي يلزم توارد العلّتين مستقلّتين أو العلل المستقلّة على معلول واحد ، لأنّ الانكشاف أمر واحد بسيط وهذه الأشياء الثلاثة أمور متغايرة خارجية واقعية ، فاستناده / ١١٧ DA / إليها أو إلى اثنين منها يوجب مناسبة الواحد من حيث هو واحد للمتعدّد من حيث هو متعدّد ؛
ولو قيل باعتبارية بعضها وعدميته وخصّ الواقعية والتحقّق الخارجي بواحد منها وخصّت العلّية والمنشئية به ، فرجع إلى كون واحد منه منشأ ومصحّحا ، فحكمه كما مرّ.
وبهذا الطريق ـ أي : طريق التحليل ـ يمكن اثبات المطلوب ـ أي : كون التجرّد منشأ ومصحّحا للتعقّل دون غيره لو قيل بتحقّق التعقّل لغير الانسان من الحيوانات ، أو بامكانه لبعض الموجودات الغير المحصّلة. فانّه لو كان شيء من / ١٢٢ MA / الحيوانات غير الانسان عاقلا فاذا حلّلناه وحصّلنا اجزائه الذاتية وصفاتها لم يصلح شيء منها لمنشئية التعقّل إلاّ التجرّد للزوم النقص في الطرد أو العكس ـ بنحو ما مرّ ـ. ولذا من اثبت التعقّل لغير