هو الأوّل دون الثاني ، إذ نفيه لا يستلزم نفيه وهو ظاهر.
ومنها : انّ ما ادّعاه من انّ المدرك لا بآلة جسمانية غير زماني ونسبة جميع الأزمنة إليه نسبة واحدة ظاهرة الفساد ، لأنّ نسبة الزمانيات إلى الزمان بالمعية في الوجود ـ سواء كانت منطبقة أو غير منطبقة ـ ، والمنطبقة هي الحركة الموجودة في الزمان على سبيل الانطباق لأنّ الزمان مقدار الحركة القطعية ، فالحركة والزمان بينهما انطباق. وغير الحركة القطعية من الأشياء الزمانية موجودة في الزمان ، لكن لا على سبيل الانطباق ، لأنّ الزمان أمر غير قارّ الذات ، فالّذي ينطبق عليها يجب أن يكون أيضا غير قارّ الذات وليس شيء من الأشياء الزمانية غير قارّ الذات سوى الحركة ، فلا يكون الموجود في الزمان على سبيل الانطباق سوى الحركة. ولو كان نسبة كلّ زماني إلى الزمان بالانطباق ولم يكف نسبة المعية في الوجود لم يكن الاجسام في زمان ولم يعرض لها التغير زمانيا ، لأنّ نسبتها إلى الزمان ليست إلاّ بالمعية في الوجود وليست منطبقة عليه.
وإذا كان معية الشيء مع الزمان في الوجود كافيا ـ لكونه زمانيا ـ نقول : لا شكّ انّ المجرّد المدرك لا بآلة جسمانية مع انّه بريء عن التغيّر يصدق عليه انّه مع الزمان في الوجود ، ولا خفاء في أنّ نسبة جميع الأزمنة إليه ليست نسبة واحدة ؛ فانّ اختلاف نسبة الشيء إلى الزمان يكون على جهتين :
أحدهما : اختلاف نسبته إليه باختلاف ذلك الشيء كالحادث اليومي ، فانّه كائن في اليوم لكونه معه في الوجود ، ومعدوم في الماضي لفقدانه فيه ؛
والثاني : اختلاف نسبته إليه ليست اختلاف الزمن ، كالفلك ، فانّه (١) / ١٧٧ DB / كائن في اليوم لكونه معه في الوجود وغير كائن في الغد ، لفقدان الغد. واختلاف نسبة المجرّد المذكور إلى اجزاء الزمان من هذا القبيل ـ أي : من قبيل نسبة الفلك إلى الزمان باعتبار اختلاف الزمان لا باعتبار اختلاف الفلك ، لأنّ الفلك قديم عندهم ـ ، فهو ـ أي : المجرّد المذكور ـ في الزمان الماضي كائن فيه لا في الحال والمستقبل لفقدانهما أيضا لا لفقدانه ، لكونه قديما. وحاصل هذا الايراد انّه لا يشترط في كون الشيء زمانيا إلاّ
__________________
(١) الاصل : + في.