أقول : ولكنه مع ذلك لم يجمع بين الآيتين من الناحية المعنوية ، وإن كان قد جمع بينهما من الناحية النحوية. إذن ، فالإشكال يبقى مفتوحا من حيث إن الآية الأولى ذكرت أن الإنسان خلق من علق. والآية الثانية ذكرت ثلاث مراحل لخلقته : التراب والنطفة والعلقة.
وحسب فهمي : فإن للإنسان ثلاث بدايات ، يصلح أن يكون كل منها بداية للإنسان :
البداية الأولى : وهي التراب ، بأحد تقريبين :
الأول : لأن آدم من تراب ، كما قال تعالى (١) : (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ). فآدم (ع) مخلوق من تراب بالمباشرة ، وخلق الناس بالتراب بالواسطة والتسبيب عن طريق آبائهم ، كما أشار الرازي.
والثاني : لأن الجسم كله دائما من تراب. وهذا تقريب (مادي) من حيث إنه قد يستبعد أن يكون آدم من تراب حقيقة. فيمكن أن يكون المراد : الأجزاء الترابية أو مكونات التراب.
ويوضح ذلك : أن هناك دورة بين الإنسان والتراب ، وذلك : لأن النبات يخرج من التراب فيأكله الإنسان ويعود إلى التراب ، فيكون نباتا من جديد. أو نقول : إن التراب يكون نباتا ، فيأكله الحيوان ، فيأكله الإنسان ، فيكون ترابا. ومعه يمكن القول بدرجة من درجات الفهم بالحمل الشائع : إن التراب لحم واللحم تراب.
والتقريب الأول عليه ارتكاز المتشرعة ، وظاهر القرآن الكريم. أما التقريب الثاني فهو فهم العصر المادي المتأخر.
البداية الثانية : وهي النطفة قال تعالى (٢) : (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى). فإن الذي يكون لحما وعظما ليس هو النطفة بل الدم. كما نص القرآن
__________________
(١) آل عمران / ٥٩.
(٢) القيامة / ٣٧.