الأخرى فلأنه قال : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ). فكأنه قال : فقط لهم وليس لغيرهم. وإلّا لما قال : ذلك.
بل يقتضي الأمر أكثر من ذلك. وهو أن كل العناوين السابقة لهم لا تتعداهم إلى غيرهم : الذين آمنوا. وعملوا الصالحات ، لهم جنات عدن ، خالدين فيها أبدا ، رضي الله عنهم ، ورضوا عنه. وليس فقط خير البرية. إذن ، لا تبقى صفة معتدّ بها لغيرهم. وخاصة إذا فهمنا من الجنان مطلق الجنان ، وفهمنا من عدن مطلق الاستقرار والثبوت.
إن قلت : ولكن اختصاص كل هذه المزايا للعلماء غير مفهوم متشرعيا من ظاهر الكتاب والسنة. والمعروف أنه تعالى يجزي كل فرد على مستواه واستحقاقه. بل أكثر من استحقاقه ، بل أكثر من استحقاقه ، باعتبار الرحمة الإلهية ، بلا فرق بين الجاهل والعالم. فكيف تكون هذه المزايا للعلماء؟
قلت : إن ما استنتجناه إنما هو ظاهر القرآن الكريم ، بعد ضم آيتين كلتاهما تدل على الحصر ، ولكن ، مع ذلك ، فهو قابل لعدة أجوبة :
الأول : أن نعمم معنى العلماء. باعتبار أنه يراد من العلم مطلق العلم كالتفقه في الدين. فيشمل المتشرعة والمتفقهة ، فما زاد. وأما من كان دونهم ، فلا يكون كذلك.
وفيه : أن العلماء مقرونون بالخشية ، وظاهر الآية يدل على نسبة التساوي بينهما ، وليس العموم المطلق ، فكل من يخشى فهو عالم وكل عالم فهو يخشى ، ولا يمكن أن نوسع معنى الخشية ، لأنها معنى وجداني ، كما أمكن أن نوسع معنى العلم.
الثاني : أن ننفي ظهور التقسيم إلى قسمين ونقول : إن هناك طبقات وسطى كثيرة بين العالم والجاهل أو المؤمن والكافر. وحينئذ يصدق ما قيل. والله تعالى يعطي لكل فرد حسب استحقاقه. ومع ذلك فإنهم لا يتميزون بالمميزات العليا كالعلماء ، بل لا بد من وجود التفضيل بينهما.
الثالث : إنه بعد التنزل عن الوجهين الأولين ، وافتراض كون البشر