فإن قلت : إن القيم واحد ، وهو الله سبحانه ، وهو ينافي معنى التأنيث ، لأنه يوحي بالجمع.
قلت : القيم ليس هو المالك ، بل هو المنصوب من قبله ، كما يقولون : وكيل مفوض ، والله سبحانه لم يلاحظ قيما لأنه غير منصوب من قبل واحد. وإن كان قيما بالذات. والعرف لا يسمي المالك قيما بل المنصوب من قبله. وهنا نقصد المنصوب من قبل الغير ، وهم المعصومون عليهمالسلام ، ولا يشمل الله سبحانه. فرج المتعلق إلى الجماعة ، لا إلى الفرد ، فالتأنيث في محله.
إن قلت : إننا مخيرون بين تقدير الأمة وتقدير الجماعة. فإذا لم نقدر الجماعة قدرنا الأمة أو الملة وهم المسلمون. فلما ذا لا نقدر المسلمين. مع أنه تعالى قال في آية أخرى (١) : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ). أي شاهدين وقائمين. فيكون معنى الآيتين مشتركا؟
قلت : ينبغي أن نفرق بين مفهوم القيمومة ومفهوم الشهادة ولم يثبت أن معنى هذا هو ذاك ، والأمة الإسلامية شهيدة على الناس ولكنها ليست قيمة عليهم.
وأوضح فرق بينهما : أن القيمومة تقع في علل التصرف والشهادة تقع في معلولاته وبعد إنجازه ، فالقيمومة متقدمة رتبة على العمل والشهادة متأخرة عنه. فلا يجتمعان.
فإن قلت : ولكن الله تعالى في نفس الآية السابقة يقول : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً). فإن نفينا كون الأمة قيّمة ، فلا يمكن أن ننفي كون الرسول قيما. ومعه يمكن فهم قيمومة الأمة من قيمومة الرسول وشهادتها ، باعتبار وحدة السياق.
قلت : كلا : فإن الرسول له صفتان : الشهادة والقيمومة. فقد جعله الله في جانب العلة وفي جانب المعلول معا. وهذه الآية السابقة تدل على
__________________
(١) البقرة / ١٤٣.