نعم ، تطور الدين في زمن موسى عليهالسلام ، ولكن تطوره كان في فروع الدين ، لا في أصوله ، وأما الزيادة في زمن عيسى عليهالسلام ، فقد كانت التبشير بالمستقبل المقدس للبشرية.
إذن ، فالمبشر الرئيسي بالتوحيد هو إبراهيم ، في عالم الثبوت والواقع.
وإذا تنزلنا عن ذلك ، نقول : إنه عليهالسلام أحسن من بيّن ذلك إثباتا ، حتى نوح عليهالسلام لم يستطع ذلك. لأن مجتمعه كان أغلبه كفارا ولم يؤمن به إلّا القليل ، حتى أخذه الطوفان. وأما آدم ، فقد كان عدد البشر في زمنه قليلا جدا.
ومع التنزل عن كل ذلك ، يكفي أن يكون الأمر ترغيبا للمتدينين. السابقين على الإسلام للدخول في الإسلام ، وأنهم إذا دخلوه كانوا حنفاء أيضا ، بل كانوا أيضا ، على دين الجماعة القيّمة ، وهم إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهمالسلام.
الرابع : من مستويات الحديث عن لفظ الحنفاء :
أن ندعي ، كأطروحة ، أن حنفاء بمعنى مخلصين ، لأكثر من قرينة :
أولا : إن حنفاء إن كان بمعنى الموحدين أو الملتزمين بدين إبراهيم (ع) ، صار بمعنى واحد ، كالمترادفين. ونحن نعلم وجدانا أنهما ليسا كذلك. فلا بد أن يكون في حنفاء زيادة في المعنى عن معنى الموحدين. فندعي أنه بمعنى المخلصين.
ثانيا : إن الراغب ، كما سمعنا ، قال : الحنف هو ميل عن الضلال إلى الاستقامة. والذي يميل هذا الميل هو المخلص الناصح لنفسه ، والمخلص لربه. وإلّا كان فيه جنف لا حنف.
ولكن ليس كل إخلاص هو حنف ، أي ليس المخلص لأي هدف هو حنيف بل حصة منه. فإما أن نقول : إن الحنف هو الإخلاص بدرجة عالية ، بحيث يكون الفرد على استعداد بأن يفدي نفسه وأهله وماله ، وإما أن نقول : إنه الإخلاص للتوحيد أو للدين وليس للدنيا.