الوجه الثاني : إن الله تعالى جمع بين العقوبتين زيادة في النكاية عليهم. لأنهم كانوا شديدي الفسق ، ومتجاهرين باللواط. فقلب الأرض ورجمها ، ليس حقدا ، بل تسجيلا إعلاميا لأجل إفهام الآخرين من الناس ، بأنهم يستحقون ذلك ، وبالتالي يؤدي إلى هداية الآخرين وتفقههم.
وقال تعالى (١) : في سورة الحجر : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها. وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ).
فأشار سبحانه إلى نفس القصة ولكن بألفاظ أخرى. وعاليها سافلها بالمعنى المادي أو المعنوي على ما مرّ.
والمراد من : مشرقين : وقت إشراق الشمس. ولا معنى لأن يكون المراد به المكان ، لأن كل مكان فهو شرق لغيره.
سؤال : ذكر في سورة هود عقوبتين ، وفي سورة الحجر ثلاث عقوبات. فما هو وجه الجمع بين الآيتين؟
جوابه : لعدة وجوده :
أولا : إنه ليس في الآية التي في سورة هود مفهوم مخالفة ، بحيث ينفي حصول شيء آخر : فما لم يذكر فيها لا يعني عدم وجوده.
ثانيا : إن الصيحة المذكورة في سورة الحجر ، هي نفس انقلاب الأرض. لا عقوبة ثالثة. ويدعمه الترتيب بالفاء ، كأن الصيحة هي صوت انقلاب الأرض ، فهي معلول وليس علة.
ثالثا : أن نحمل (عالِيَها سافِلَها) في سورة الحجر ، على المعنى المعنوي. ومعه لا يكون هناك دليل على أنهم ماتوا جميعا من الصيحة. بل يمكن أنهم أغمي عليهم ، ثم قضي عليهم بالرجم.
هذا وقد ورد لفظ مشابه للسجّيل نطقا ومعنى في القرآن الكريم وهو
__________________
(١) آية ٧٢ ـ ٧٥.