قال العكبري (١) : وترميهم. نعت لطيرا. والكاف مفعول ثان.
أقول : لأن الجمل بعد النكرات صفات. وجعل تأخذ مفعولين أي : جعل الله إياهم كعصف مأكول.
وقوله : والكاف مفعول ثان. يعني في قوله : كعصف ، وهو لا يخلو من تسامح. لأن حرف الجر لا يكون مفعولا ، بل الاسم هو المفعول الثاني ، وهو العصف المجرور بالكاف.
وهنا يمكن أن نضم إلى ذلك عدّة أفكار :
أولا : إن الجار والمجرور ليس بنفسه مفعولا به. بل يحتاج إلى متعلق ، وهو محذوف أو مقدر ، وهو المفعول الثاني.
ثانيا : إن وجود الجار والمجرور وعدمه يتبادلان. وذلك : في المنصوب بدل المجرور ، ويسمى المنصوب بنزع الخافض. أي بتقدير حرف الجر ويمكن أن يكون العكس أي الاستغناء عن النصب عن طريق وجود حرف الجر المناسب له. والآية من هذا القبيل.
فبالرغم من دخول الكاف الجارة عليه ، لم يخرج عن كونه مفعولا ثانيا ، فيكون منصوبا محلّا. ويكون وجود الكاف كعدمها. فكأنه قال : فجعلهم عصفا مأكولا.
ثالثا : إن نواصب المفعولين ليس بالضرورة ، أن تنصب مفعولين ، بل قد تنصب مفعولا واحدا ، إن أراد المتكلم ذلك ، والله تعالى اختار مفعولا واحدا. وأما الثاني فهو جار ومجرور.
وبتعبير آخر : إننا إنما نحتاج إلى المفعولين عند عدم الدلالة على المعنى. وأما إذا صحّ المعنى وتمّ ، فلا حاجة إلى وجود المفعول الثاني. فقد حذف للدلالة عليه. بل إن وجوده يجعل اللفظ سمجا. فيكون القرآن قد اختار في التعبير أفضل الفردين ، لأنه تشبيه بلاغي لطيف.
__________________
(١) ج ٢ ، ص ١٥٨.