ولكن هذا الوجه (وهو كونهما متماثلين في الإفراد) قابل للمناقشة بنص أهل اللغة (١) ، على أنه جمع. وقيل لا واحد له وقيل إن مفرده : بال أو بول أو بيل.
ولكن يمكن الإيراد عليه : إنه يمكن القول : إننا نسمي الواحد منها أبابيل ، كما نسمي فردا من الملائكة : ملائكة ، ولا نقول : ملك ، وهو مطلب عرفي ، لأن العرف يختار ما هو الأسهل له. فهذا لا يدل على أن المراد بالأبابيل في الآية الجمع ، وإن كان جمعا لغة.
الوجه الثالث : إن محل «أبابيل» من الإعراب ، لا يخلو من أربعة احتمالات ، تصورا : وهي أن تكون خبرا أو صفة أو حالا أو بدلا. وما قيل من لزوم التجانس في الإفراد والجمع ، إنما يصدق على المبتدأ والخبر وعلى الصفة والموصوف. وليس المورد منهما.
ولكنه : إما أن يكون حالا ، بمعنى : جماعات متفرقين ، وليس التطابق بالإفراد والجمع ، ضروريا بين الحال وصاحبه.
وإما أن يكون بدلا ، إذا كان «علم جنس» ولا بأس أيضا بعدم التطابق بين البدل والمبدل منه.
وهنا نكتة لا ينبغي الإعراض عنها ، وهي : إن هذه السورة رغم صغرها ، استعملت ألفاظا غير عربية عديدة ، وهي : الفيل والأبابيل ، والسجيل ، ونسبتها إلى السورة ككل كبيرة. بل هي أكبر نسبة من أي من سور القرآن الكريم.
وهذا الاستعمال وأمثاله ، لا ينافي عربية القرآن الكريم ، لأن هذه الألفاظ كانت سائدة ومستعملة بين العرب. فاتصفت بكونها عربية ، فاستعملها القرآن بهذه الصفة.
مضافا إلى أنه يمكن القول : بأن استعمالها تطبيق من تطبيقات قوله تعالى (٢) : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) ، أي استعمال عدة لغات في القرآن الكريم.
__________________
(١) راجع لسان العرب وغيره.
(٢) الأنعام / ٢٨.