الأمر الأول : إن قوله (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) فيه دلالة على أن ما يعبده النبي صلىاللهعليهوآله واحد. لذا تمّ تكراره باللفظ لعدم وجود دال آخر عليه. بخلاف الطرف الآخر أي الكفار. فإن ما يعبده الكفار متعدد. كالأصنام والنفس. قال تعالى (١) : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ). والشيطان قال تعالى (٢) : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ). وغيرها. ولذا ورد بصيغة المضارع تارة ، وبصيغة الماضي تارة أخرى. فإن عبادة كهذه تكون بحسب الشهوة والمصلحة الدنيوية ، فيعبد شيئا في الماضي ، ثمّ يعبد شيئا آخر في المستقبل ، وهكذا.
الأمر الثاني : إن قوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ، يعدّ تكرارا بحسب المعنى العام للسورة. ويفيد التأكيد تأكيدا. وبحسب البلاغة ينبغي تغيير العبارة بتغيير اللفظ. فهو بمنزلة النتيجة للمقدمات التي سبقته. يعني : بما أنكم لا تعبدون ما أعبد وبما أني لا أعبد ما تعبدون ، إذن لكم دينكم ولي دين.
وهنا يرد السؤال : إنه قد يستشعر من ذلك إمضاء أديان الكافرين. وسيأتي جوابه عند الحديث عن هذه الآية الكريمة.
هذا كله ، بالنسبة للمضمون العام للسورة ، وهو التكرار ، وندخل الآن في تفاصيل السورة ، ضمن الأسئلة الآتية :
سؤال : لما ذا قال : يا أيها ، ولم يقتصر على حرف النداء ، أو على أحد هذين اللفظين؟
جوابه : حسب فهمي : إن يا للنداء ، أما «أيها» فهي ليست للنداء بل هي وصلة وتسبيب لدخول حرف النداء. فلا تصلح للنداء وحدها. وإن حصلت وحدها كانت بتقدير الحرف قبلها لا محالة.
__________________
(١) الجاثية / ٢٣.
(٢) الأنعام / ١٢١.