الدعوة إلى ارتكاب تلك المآثم ، والتشجيع عليها أكثر فعالية ، وأعظم أثرا.
وقد نهى تعالى عن إطاعة الكفور ، وهو المكثر من الكفر ، أو الشديد فيه ، من حيث إنه يبذل جهدا قويا لتجاهل وطمس معالم نعم الله الظاهرة عليه ، كما أنه يقاوم بشدة دواعي الهداية الفطرية ، والعقلية ، والشرعية من أن تؤثر في ضبط حركته ، والتخفيف من غلوائه وطغيانه. فهو كفور بلحاظ درجات المقاومة ومراتبها ، فكأنّ هذه المراتب تتضاعف : حتى ليصحّ أن يقال لفاعلها : إنه كفور.
كما أنه يكثر من هذا الكفران ، بسبب كثرة تلك النعم ، وكثرة تلك الدواعي التي هيأها الله له ، رحمة به ، وحدبا عليه. فهو كفور من حيث كثرة صدور مظاهر التجاهل لألطاف ونعم الله منه ، وظهورها على جوارحه.
ولكنه .. يسعى دائما للتمرد على ربّه ، والخروج عن زيّ العبودية ، ويبذل جهدا ، ويكرر المحاولة في هذا السبيل.
فإذا اقترنت هذه الشدّة ، وتلك الكثرة ، بصيرورة هذا الكفور داعية إلى التمرد وإلى الطغيان ، وإلى ستر وتجاهل نعم الله ، والتنكر لألطافه ، ورفض كل هداياته .. فإنه يصبح أشدّ كفورية ، ويكون عمله هذا أعظم درجة في القبح والسوء ، لأنّه يجعل نفسه في موقع المواجهة مع فطرته ، وعقله ، ووجدانه .. الذي لا يرضى منه إلا أن يكون شاكرا للمنعم عليه ، مؤديا فروض العبودية لسيده ، وخالقه ، ومالك رقّه.
ومهما يكن من أمر ، فإن قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ..) يدل على أن حامل همّ الدعوة إلى الله ، الذي يعيش حالة الانضباط التام ، والانسجام مع الفطرة ، ومع نواميس الحياة ، ويلتزم بهدى