ولكنه حين يخاطب عباده الخطّائين فإنه يتألّفهم ، ويداريهم ، ويهوّن عليهم الأمور ، ويخاطبهم بلين ولطف ، فيقول : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) (١) ..
ثم هو يرغبهم بالتوبة ، ويعدهم المغفرة (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) (٢) .. (تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) (٣) .. وغير ذلك ..
وما ذلك إلا لأنه تعالى يخاطب أنبياءه وأولياءه من موقع الألوهية ، لأنهم في معرفتهم بالله ، وفي حصانتهم ضد نزعات الهوى ، قد وصلوا إلى مراتب سامية من الصفاء ، والنقاء ، والوعي ، تؤهلهم لنيل الحقائق ، والتفاعل معها .. وهذا ما جعل الخطاب معهم خطابا بالحقائق ذاتها على ما هي عليه ، لأنهم أصبحوا فوق مستوى البشر العاديين الذين يحتاجون إلى الخطاب بلغة تستعير مفرداتها من مألوفاتهم في هذه الدنيا ، ومفرداتها ، وحالاتها .. لأنهم منغمسون فيها ، فيحتاجون إلى مزيد من الرعاية لهم ، وتولي تدبير أمورهم ، والإشفاق عليهم ، بسبب شدة بعدهم عن الحقائق ، وعدم قدرتهم على إدراكها ..
على أنه تعالى لا يريد أن يشير إلى أي احتمال لصدور ذلك منهم ، بل هو مبالغة في زجر غيرهم ، فهو تعالى يريد أن يطلق القاعدة ، ويعلن شمولها وسريانها الذي لا يقبل التخصيص ، وصدق الشرطية لا يتوقف على صدق طرفيها ، فهو على حد قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ
__________________
(١) سورة الزمر الاية ٥٣.
(٢) سورة طه الاية ٨٢.
(٣) سورة التحريم الاية ٨.