لجانب الطاعة كذلك ، فإن البلخي قد ادعى : أن الثواب على الطاعة إنما هو بالتفضل لا بالاستحقاق ..
واستدل على ذلك : بأن التكاليف إنما وجبت شكرا للنعمة ، فلا يستحق فاعلها مثوبة عليها ، فما يعطيه الله للعبد عليها إنما هو تفضل منه.
ونقول :
إن هذا الكلام باطل ، إذ يقبح عند العقلاء أن ينعم أحد على غيره بنعمة ، ثم يكلفه ، ويوجب عليه شكرها ، من دون إيصال ثواب إليه على هذا التكليف ، وهم يعدون ذلك نقصا ، وينسبون من يفعل ذلك إلى حب الجاه والرياسة ونحو ذلك من المعاني التي لا تصح من الحكيم.
وهذا يعني : أنه إذا كلفه ، فإن عليه أن يثيبه على امتثاله لهذا التكليف .. وأن المثوبة بالاستحقاق ، لا بالتفضل.
وبعبارة أخرى :
إن الطاعة مشقة ألزم الله العبد بها ، فإن لم تكن لغرض كانت ظلما وعبثا ، وهو قبيح لا يصدر من الحكيم.
وإن كانت لغرض .. فإن كان يعود إلى الله فهو باطل ، لأنه تعالى غني عن العالمين. وإن كان الغرض عائدا للمكلف .. فإن كان هو الإضرار به كان ظلما قبيحا.
وإن كان هو النفع له ، فإن كان مما يصح أن يبتدئ الله به العبد ، فلماذا يكلفه به .. وإن كان مما لا يصح الابتداء به ، بل يحتاج إلى تكليف ، فإن العبد يستحق أن يعوضه الله عن تلك المشقة التي كلفه بها بمثوبة وأجر ..
وهذا معناه : أن مثوبة العبد إنما هي بالاستحقاق ، وهو المطلوب ..