المعاملة والعدل لا يتناولان الجزئيات الغير المحصورة ، الا اذا كان لها قوانين كلية وهي الشرع. فاذن لا بد من شريعة.
وأما بيان الشرطية الثانية ، وهي كبرى هذا الدليل فنقول : تلك الشريعة لا يجوز أن يكون تقريرها موكولا الى أفراد النوع ، والا لحصل النزاع أيضا في كيفية تقرير تلك القوانين وضبطها ، وأيضا ليس بعض الافراد بكونها موكولة إليه أولى من البعض ، فيجب (١) أن تكون متلقاة من القدير الخبير ، ولما كان مما يمتنع مشافهته ومخاطبته وجب وجود واسطة بينه وبين خلقه في تبليغ شرعه وهو النبي ، فتجب بعثة النبي ، ويجب أن يكون ممتازا باستحقاق الطاعة من باقي أفراد نوعه ، وليكون له طريق الى انقيادهم لامره ونهيه ، وذلك الامتياز يحصل باختصاصه بآيات تدل على أنها من عند ربه ، وهي المعجزات. وهي : اما قولية هي بالخواص أنسب [وهم لها أطوع] ، أو فعلية هي للعوام أنفع وهم لها بالانتفاع أبلغ ، وان كان كل من النوعين رحمة لكل فرد من أفراد القسمين بمضمون (ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٢).
الثاني : طريقة المتكلمين وهي من وجهين :
الاول : ان وجبت التكاليف السمعية وجبت البعثة ، لكن المقدم حق فالتالي مثله ، أما حقيقة المقدم : فلان التكاليف السمعية ألطاف في التكاليف العقلية ، أي مقربة إليها. فانا نعلم ضرورة أن الانسان اذا واظب على فعل الصلاة والصوم مثلا ، دعاه ذلك الى العلم بالله تعالى وصفاته ، ليعلم (٣) أن العبادة هل هي لائقة به أم لا. وكل لطف واجب كما تقدم.
__________________
(١) فى «ن» : فوجب.
(٢) سورة الأنبياء : ١٠٧.
(٣) فى «ن» : ويعلم.