بينا وجوب وجوده تعالى ، فلا يفتقر الى غيره في ذاته ولا في صفاته ، لاستحالة انفعاله عن الغير.
أقول : من صفاته تعالى أنه غني ، ومعناه سلب الحاجة عنه ، ولهذا ذكرها في التنزيهات ، وتقرير دليله : أنه لو احتاج لكانت الحاجة : أما في ذاته ، أو في صفاته. وكلاهما باطل.
أما الاول : فلاستلزام كونه ممكنا ، وهو محال لما ثبت أنه واجب الوجود.
وأما الثاني : فلاستحالة انفعاله عن الغير كما تقدم.
[كون حقيقته تعالى غير معلومة للبشر]
قال : البحث السابع ـ في أن حقيقته تعالى غير معلومة للبشر : لان المعقول من واجب الوجود ليس الا الصفات الحقيقية ، مثل الوجود والوجوب وكونه قادرا وعالما وغير ذلك ، أو الاضافية مثل كونه تعالى خالقا وأولا وآخرا ، أو السلبية مثل أنه تعالى ليس في جهة وليس بجسم وغيرهما ، وأما غير ذلك فهو غير معقول.
ولا شك في أن هذه المتعقلات أمور عارضة لذاته تعالى ليست نفس حقيقته ، والمعروض غير معلوم لنا.
أقول : ذهبت الفلاسفة والجويني والغزالي من الاشاعرة وأبو الحسين البصري من المعتزلة والمحققون الى أن حقيقته تعالى غير معلومة لاحد من البشر لوجهين :
الاول : أنها لو كانت معلومة لكان العلم بها اما ضروري أو كسبي ، وكلاهما ممتنع(١). أما الاول فظاهر ، وأما الثاني فلان الكسبي لا بد له من كاسب والكاسب في باب التصورات أما حد أو رسم ، كما بيّن في المنطق ، والحد مركّب من
__________________
(١) فى «ن» : منفى.