[مسألة الحسن والقبح]
قال : البحث الثاني : ذهب أهل العدل الى أن العلم بحسن بعض الاشياء ـ كالصدق النافع والانصاف وشكر المنعم ونحوها ـ ضروري ، والعلم بقبح بعضها ـ كالظلم والفساد وتكليف ما لا يطاق ـ ضروري.
وذهبت الاشعرية الى المنع من ذلك.
لنا : أن العلم الضروري حاصل بما قلناه ، فالمنازع مكابر ، ولهذا يحكم به من لا يعتقد شرعا. ولان القول بنفي الحسن والقبح العقليين يقتضي رفع الاحكام الشرعية ، لانا لو جوزنا صدور القبيح من الله تعالى لم يبق الوثوق بوعده ووعيده ، ولجاز اظهار المعجزة على يد الكاذب ، ولجاز تعذيب المؤمن على ايمانه واثابة الكافر على كفره. والتوالي باطلة بالاجماع.
أقول : قد يراد بالحسن كونه صفة كمال ، والقبيح كونه صفة نقص. وقد يراد بالحسن كونه ملائما للطبع ، وبالقبيح كونه منافيا للطبع ، وقد اتفق أهل العلم على كونهما عقليين بالمعنيين المذكورين. وقد يراد بالحسن ما يستحق عليه المدح في العاجل والثواب في الاجل ، وبالقبيح ما يستحق عليه الذم في العاجل والعقاب في الاجل.
وقد اختلف في ذلك : فقالت الفلاسفة : ذلك معلوم بالعقل العملي ، لان كمال النوع وانتظام مصالح العالم يتم بذلك ، لا بالعقل النظري ، كالعلم بأن الكل أعظم من الجزء.
وقالت الاشاعرة : ذلك معلوم بالشرع لا غير ، فما حسنه فهو الحسن ، وما قبحه فهو القبيح ، ولا حكم للعقل فيهما بهذا المعنى.
وقال أهل العدل. وهم المعتزلة والامامية : فان العقل يحكم بذلك ، وقسموا الافعال الى ثلاثة أقسام :