وذهب المحققون الى بطلان القولين معا ، واستدل على بطلان مذهب الاول بوجهين:
الاول : أن قيام إرادة بذاتها غير معقول ، لانها عرض ولا شيء من العرض يقوم بذاته.
الثاني : أن كل محدث مفتقر الى محدث مختار ، وفعل المختار مشروط بالارادة ، فاما أن تكون مشروطة بإرادة أخرى فيلزم التسلسل ، أولا بإرادة أخرى فيلزم الدور.
وعلى بطلان مذهب الآخرين بما تقدم من نفي المعانى. وأما قولهم «لو كان مريدا لذاته لزم اجتماع النقيضين» ممنوع ، لجواز تعلق ارادته ببعض المرادات دون بعض لذاتها لا بد لنفيه من دليل.
[الدليل على حدوث كلامه تعالى]
قال : البحث الرابع ـ في أن كلامه حادث : الاشاعرة منعوا من ذلك. والحنابلة أيضا ـ مع اعترافهم بأن الكلام هو الحروف والاصوات ـ ذهبوا الى قدمه.
لنا : أنه مركب من حروف متتالية يعدم السابق منها بوجود اللاحق ، والقديم لا يعدم ولا يقع مسبوقا بغيره ، فالسابق واللاحق محدثان. ولان الاخبار بارسال نوح في الازل اخبار عن الماضي ، ولا سابق في الازل. ولان أمر المعدوم عبث. ولقوله تعالى (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (١).
أقول : قد تقدم البحث في كلامه ، وذكرنا ما أمكن ذكره من جهة الاشاعرة والمعتزلة. وذكر المصنف هنا الاستدلال على كونه تعالى حادثا ، وهو مذهب
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢.