فيه خبز شعير يابسا موضوعا (١) فأكل منه ، فقلت : يا أمير المؤمنين كيف تختمه؟ قال : خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن ، وكان مع ذلك يصوم النهار ويفطر على الشعير ، وكان ثوبه مرقوعا تارة بجلد وبليف أخرى ، ونعلاه من ليف وقال : والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ، ولقد قال لى قائل : ألا تنبذها يا ابن أبي طالب؟ فقلت : أغرب عني «عند الصباح يحمد القوم السرى» وكان اذا ائتدم فبخل أو ملح ، فان ترقى فبنبات الأرض ، فان ترقى فبلبن ، وكان لا يأكل اللحم الا قليلا ، وقال : لا تجعلوا بطنكم مقابر للحيوان (٢). وكان مع ذلك أشد الناس قوة ومواعظه وزواجره ، وتزهيده في الدنيا والترغيب في تركها مشهورة ، واذا كان أزهد كان أفضل ، وهو المطلوب.
[كونه عليهالسلام أعبد الناس]
قال : العاشر ـ أنه عليهالسلام أعبد الناس ، ولم يتمكن أحد من التأسي به ، حتى أن زين العابدين عليهالسلام ـ مع كثرة عبادته ونسكه وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة ـ كان يرمي بصحيفة علي عليهالسلام كالمتضجر ويقول «أنى لي بعبادة علي عليهالسلام (٣)».
أقول : من دلائل أفضليته كونه عليهالسلام أعبد الناس ، وهذا أيضا باب [ظاهر] لم يماثله فيه أحد تقدمه ، ولم يلحقه أحد تأخر عنه ، حتى أنه كان في أيام صفين عند الزوال يرمق الشمس محافظة على ايقاع الصلاة في أول وقتها ، فقال له ابن عباس : ليس هذا وقت رمق الشمس : فقال : يا ابن عباس على الصلاة
__________________
(١) فى «ن» : موضوعا.
(٢) راجع فى ذلك كله احقاق الحق : ٨ / ٢٤٦ ـ ٣١٧.
(٣) راجع احقاق الحق : ٨ / ٦٠٢.