وعن الثالث : أن التوكل لا ينافي الطلب ، والمكتسب في حال طلبه متوكل أيضا ، ولهذا أردفه بالغدو ، مع أنه ليس في الحديث نهي عن الطلب الذي هو مناط البحث ، بل بين فيه أنكم لو اشتغلتم بالطاعة عن الطلب نرزقكم ما يقيم أبدانكم ، كما يرزق الطير ما يقيم أبدانها بتهيئة الاسباب ، لكن أردفه بالغدو الذي هو الطلب.
[بحث في الآجال]
قال : والاجل هو : الوقت ، فأجل الدين هو الوقت الذي يحل فيه وأجل الموت هو الوقت الذي يحصل فيه.
أقول : انما بحث المتكلمون عن الاجل ، لانه من قسم الالطاف ، فان موت شخص في وقت قد يكون لطفا لغيره من المكلفين ، والاجل هو الوقت ، وأجل الدين هو وقت حلوله ، وأجل الحيوان هو الوقت الذي يحصل فيه موته.
وعرف المتكلمون الوقت بأنه الحادث ، أو ما يقدر تقدير الحادث بحيث يجعل علما لغيره ، كما يقال : جاء زيد عند طلوع الشمس ، فطلوع الشمس أمر معلوم حادث ، فجعل وقتا لغيره ، ولو فرض جهالة الطلوع وعلم مجيء زيد ، صح أن يقال : طلوع الشمس عند مجيء زيد.
وأما المقدر تقدير الحادث فكما في العدم المتجدد ، كما يقال ، جاء زيد عند انقطاع المطر ، فيجعل انقطاع المطر وقتا وان كان عدما لتجدده.
وفي هذا نظر : فان وقت كل شيء يجب وقوع ذلك الشيء فيه ، وليس قدوم زيد واقعا في طلوع الشمس ، بل واقع في زمان يدل عليه لفظة «عنده».