الاول : ما لا يستقل العقل بدركه حسنا ولا قبحا ، وذلك كصوم آخر رمضان وأول شوال ، فانه لا طريق للعقل الى الحكم بحسن صوم الاول وقبح الثاني بل الشرع.
الثاني : ما يستقل العقل بدركه ضرورة ، وذلك كالعلم بحسن الصدق النافع والانصاف وشكر المنعم ، وقبح الظلم والفساد وتكليف ما لا يطاق.
الثالث : ما يستقل العقل بدركه نظرا ، وذلك كالحكم بحسن الصدق الضار ، وقبح الكذب النافع.
وقد احتجوا لذلك بوجوه ذكرها المصنف :
الاول : أن الضرورة قاضية بحسن ما ذكرناه من الامور الحسنة ، وبقبح ما ذكرناه من الامور القبيحة ، من غير شك في ذلك. ولهذا اذا قلنا لشخص ان صدقت فلك دينار وان كذبت فلك دينار واستوى الامران بالنسبة إليه ، فانه يختار الصدق لما تقرر عنده من حسنه ببديهة عقله ، وأيضا لا شك في ذكرنا حسنه وقبح ما ذكرنا قبحه.
فالحاكم بذلك اما العقل أو الشرع ، اذ لا ثالث لهما ، والثاني باطل ، لانا نفرض أنفسنا خالية عن مجموع الشرائع والاديان ثم نعرض عليها هذه الامور فنجدها حاكمة بها ، ولم نجدها حاكمة بقبح الصوم أول شوال وحسنه آخر رمضان الا بسماع الشرع ، فظهر الفرق. فلو كان الحاكم هو الشرع لما صح منها الحكم في الصورتين الا بسماع الشرع.
وأيضا فان من لا يقول بالشرع بل ينكره كالبراهمة والجاهلية ، يحكمون بالحسن والقبح المذكورين ، ولو لم يكونا عقليين لما حكموا بذلك ، وليس حكمهم فيها بملائمة الطبع ومنافرته ، فان الطباع في الناس مختلفة ، فكثير من الامور ينفر منها طبع شخص ويميل إليها طبع آخر ، مع اتفاقهم على الحكم