المعتزلة والكرامية ، خلافا للاشاعرة والحنابلة ، لكن ما ذكروه لا يدفع به مذهب الاشاعرة ، لما نقلنا عنهم من أنهم لا ينفون الكلام الحسي ، بل المدعى قدمه عندهم هو المعنى ، وذلك لا يبطل بما قاله ، بل بما تقدم. بل يبطل به مذهب الحنابلة ، وهو من وجوه :
الاول : مركب من الحروف المتتالية التي كل واحد منها يلحقه العدم ، ولا شيء من القديم يجوز عليه العدم ، وأيضا اللاحق مسبوق بالسابق ، ولا شيء من القديم بمسبوق بغيره.
الثاني : لو كان كلامه تعالى قديما لزم كذبه ، واللازم باطل فالملزوم مثله. بيان الملازمة: أنه أخبر عن ارسال نوح عليهالسلام بقوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) (١) والاخبار مسبوق بوقوع النسبة في الخارج في زمان سابق على زمان الاخبار ، فلو كانت هذه الصيغة قديمة لوجب أن يكون ثم زمان سابق على الازل ، مع أنه لا سابق على الازل ، فيكون كذبا.
الثالث : من جملة كلامه تعالى صيغ الامر والنهي ، فتكون أزلية ، لكن ذلك محال ، لكونه أمرا ونهيا للمعدوم ، وهو عبث قبيح مستحيل عليه تعالى ، فلو كان كلامه أزليا لكان عابثا ، تعالى الله عن ذلك.
الرابع : أنه تعالى وصف كلامه بالحدوث ، فيكون حادثا. أما الاول فلقوله تعالى (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (٢) والذكر هو القرآن لقوله تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (٣) و (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
__________________
(١) سورة نوح : ١.
(٢) سورة الأنبياء : ٢.
(٣) سورة الزخرف : ٤٤.