اقول : اختلف العلماء في كيفية حصول العلم عقيب النظر الصحيح. فقالت الاشاعرة : انه من الله تعالى ، لانه ممكن ، وكل ممكن فهو من فعل الله وأنه بمجرى العادة بمعنى أن الله تعالى أجرى عادته أن يخلق العلم عقيب النظر الصحيح ، لانه متكرر وأكثري الوجود ، وكل متكرر وأكثري الوجود فهو بمجرى العادة. وأما ما لا يتكرر أو يتكرر قليلا فهو خارق للعادة كالمعجزات وقالوا : أنه ليس بواجب أن يخلقه الله تعالى [لانه فعل الله ولا شيء من الافعال بواجب أن يخلقه الله تعالى]. وهذا مبني على أصلهم الفاسد ، وسيأتيك بيان فساده.
وقالت المعتزلة : انه من فعل العبد تولدا (١) ، وذلك لان فعل العبد [عندهم] وجهين : الاول يسمى مباشرة ، وهو ما كان في محل القدرة كالاعتماد الحاصل في البدن. الثاني يسمى توليدا ، كالمتولد عن الاعتماد الحاصل في محل القدرة كحركة المفتاح المتولدة عن حركة اليد وحصول العلم عندهم من القبيل الثاني ، لانه يتولد عن النظر ، والنظر فعله ، لان فاعل السبب فاعل للمسبب ، وانما قلنا انه فاعل السبب ، لان السبب هو النظر ، وهو فعل العبد ، لانه يحصل بسبب (٢) قصده وداعيه ، وأنه واجب الوقوع ، كوجوب وقوع المسبب عند وقوع سببه ، كما في حرارة النار الواجب حصولها عند حصول النار وغير ذلك من المسببات الواجب وقوعها عند (٣) أسبابها.
واختاره المصنف وقال : انه على سبيل اللزوم ، فانا نعلم ضرورة أن من علم أن العالم متغير ، وأن كل متغيّر حادث ، فانه يلزم عنهما علم ثالث ، وهو
__________________
(١) فى «ن» : توليدا.
(٢) فى «ن» : بحسب.
(٣) فى «ن» : عن.