إشارة إلى الحجج
الثمانية ، ويكون «الصادق» الأول منطبقاً على مركزه ، وهو أبو عبد الله جعفر
الصادق صلوات الله عليه.
ثم إنّه أتى بعبارة جامعة حيث قال : أين الشموس الطالعة
... الخ. والتعبير عنهم بالشمس تارةً وبالقمر أو النجم اُخرى لاعتبارات متناسبة ، فالتعبير
بالشمس إشارة إلى إضاءتهم العوالم الظلمانية من دون كسب نور ، ولا استضاءة من
أهالي عصرهم ، كما أن نور الشمس ليس مستفاداً من غيره ، والتعبير بالقمر إشارة إلى
كون علومهم مستفادة ومكتسبة من المبادئ العالية ، وكل إمام قد أخذ من الإمام
السابق إلى أن ينتهي إلى الرسول صلىاللهعليهوآله
، والتعبير بالنجم إشارة إلى أنه كما يُحتاج إليها لأجل النور والضوء في الطرق
والبحار لأجل سير السفن كما قال تعالى : (وَعَلَامَاتٍ
وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)
فكذا يُحتاج إليهم
لأجل الاهتداء.
فإن قلت : كيف التفكيك بين الحجج
السابقة وبين حجة العصر المشار إليه بقوله بعده : أين بقية الله ، فكان الأولى
تقديمه على العبارات الجامعة السابقة كالشموس الطالعة والأقمار المنيرة؟
قلت : لعل السرّ أن حجة العصر لم يمكن
الاستضاءة به في زمن الغيبة الصغرى أو الكبرى ؛ فما دام له الخفاء ، لا يوصَف
بالشمسية أو القمرية.
وإن أبيتَ عن ذلك وقلت : إن شَمَسَ غاية
الأمر أن الغيبة كالسحاب الحائل بين الشمس وبين أهل الأرض ، فإن كان مانعاً عن
وقوع الشعاع فليس مانعاً عن إضاءة العالم ولو من وراء السحاب ، ولذا قيل كما عن
الخواجة قدسسره
في التجريد : «ووجوده لطف ، وتصرُّفه لطف آخر ، وعدمه منا» .
والحاصل أنّ المنافع المترتبة على تصرفه
من إقامة الحدود ونصب الحكّام وفصل الخصومات وغير ذلك من الألطاف القريبة ، وإن
فقدت في زمن الغيبة المسبَّبة من سوء أعمالنا والمستندة إلى عدم استعدادنا لتشرف
حضرته السنية وتقبيل سدّته البهية ، ولكن منافع وجوده المقدس من جريان الأنهار
ونمو الأشجار واختلاف الليل والنهار وتدبير أمر الأرض والسماء من حركة المتحرك
وقرار القارّ ، إلى غير ذلك مما يُستند إلى وجود الحجة على ما يُستفاد من الأخبار
، وإليه اُشير في دعاء العديلة «وبوجوده ثبتت الأرض والسماء»
__________________