كثيرة جداً ، فوجود حجة العصر ـ عجل الله فرجه ـ في حال الغيبة أيضاً كالشمس في الإضاءة ، فلا وجه للتفكيك عن سائر الحجج سلام الله عليهم.
فنقول : لعل التفكيك بملاحظة أن النداء في الأولين من قبيل المندوب له والمستغاث له لتهييج الحمية ، والنداء بالنسبة إلى الإمام الحاضر من قبيل نداء المستغاث به والمندوب إليه ؛ والوجه واضح ، فإنَّ كلاً من الأئمة السابقين مظلوم في عصره ، حيث بايع طاغوتاً من طواغيت عصره ، ولكنه ـ عجل الله فرجه ـ هو الموعود من الله تعالى بالنصرة والغلبة ، ولم يدخل في بيعة طاغوت أصلاً ، ولذا عقّب النداء بما يؤيد ذلك وقال : أين المعدّ لقطع دابر الظلمة.
ويُستفاد من قوله : «أين المدَّخر لتجديد الفرائض والسنن ، أين المتخيَّر لإعادة الملة والشريعة» أنه ـ عجل الله فرجه ـ يجدّد الشريعة ؛ كما في بعض الأخبار : يأتي بكتاب جديد وبشرع جديد على العرب شديد (١). ولكن لا كما صنعه بعض الفرق المتجددة من تغيير الأساس ؛ حيث جعل الصوم مثلاً تسعة عشر يوماً في أيام الاعتدال ؛ فإن هذا التغيير الكمي والكيفي والمحتوى في مثل هذا الحكم الضروري لا يُطلق عليه التجديد ، بل التجديد هو التعمير والبناء على الأساس الباقي ، حيث إنّ بعض الخبر [الذي] يناسب به سبب مرور الدهور وشوب الأغراض وضعف الدواعي لحفظ الشريعة قد غُيِّر إلى غير محله فيرده إلى أصله ، كما يصنعه في المساجد التي زاد فيها السلف ببدعهم وإجحافاتهم ، وهذا معنى الإعادة التي اُشير إليها في قوله «لإعادة الملة».
قوله : «أين باب الله الذي منه يؤتى ، أين وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء».
أقول : حيث إنّ الله تعالى أجلّ وأقدس من التمكن في بيت حتى يكون له باب ، أو التجسم حتى يكون له وجه ، فقد أُريد بهما ـ بنحو من التجوُّز والاستعارة ـ أن المعرفة بالله
__________________
١. نقل البياضي في الصراط المستقيم : (ج ص ، ص ٢٦٠) عن أبي جعفر عليهالسلام أنه قال : والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام ، يبايع الناس بكتاب جدي ، وأمر شديد ، وسلطان من السماء ، لا ترد له راية.
وروى الصفار القمي في بصائر الدرجات : (ص ١٧٥ ح ١٣) عن أبي عبد الله عليهالسلام في رواية : كيف أنت إذا رأيت أصحاب القائم قد ضربوا فساطيطهم في مسجد الكوفة ، ثم أخرج المثال الجديد على العرب الشديد.