إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ) (١) وأمثال ذلك ـ فكذلك الاستفهام لا يُستعمل دائماً في المعنى الحقيقي ، فقد يُراد منه التقرير أو التوبيخ أو التهكم. والظاهر أن المقام قد اُريد به التشجيع والترغيب ؛ فإنّ الداعي في مقام الاستغاثة والالتجاء بالله تعالى في تعجيل فرج حجة العصر ، فغرضه من سؤال مكان الحسنين عليهماالسلام والأئمة المظلومين تذكار مظلوميتهم ومصائبهم ؛ ليكون أرغب في تعجيل فرج المنتقِم.
قوله : «حَبَائل» استعير الحبائل للبدع وأقوال الكفر والنفاق ، بمثابة أنها من صنائع الشيطان ومصائده ؛ ليصيد بها قلوب الضعفاء من المسلمين.
قوله : «أين بابُ الله» لمّا كان الله تعالى منزِّهاً عن العلائق الجسمانية ـ على ما هو مبرهَن في الكلام ـ فنسبة الباب أو الوجه لابدّ أن يكون بضرب من التأويل ، فاستعير له الباب كما استعير له الوجه من باب الاستعارة التخييلية ، فتشبه ذاته الأقدس في النفس بالبيت أو بإنسان ذي وجه استعارة بالكناية ، والغرض بيان مراتب أمير المؤمنين وعترته المعصومين سلام الله عليهم. وكما أنه لا يُؤتى البيت إلا من طريق الباب ، فلا يتيسر معرفة الله تعالى إلا ببياناتهم ، ولا يُتوجه إليه تعالى إلا بهم.
المعنى :
لما انتهى الكلام في العبارات السابقة إلى مظلومية آل محمد ـ سلام الله عليهم ـ وجريان القضاء لهم بالقتل والسبي والتبعيد ، ويحق للسامعين أن يبكوا عليهم ويجزعوا لمصابهم. ومعلوم أن البكاء وسيلان الدموع عند استماع مظلومية واحد من آحاد الناس ومن نوع البشر ـ مع قطع النظر عن الخصوصيات ومراعاة بعض الجوامع والسنخية ـ من مقتضيات الطبيعة البشرية ، وكلما ازدادت المناسبة فتزيد الرقة وبسببها يزيد البكاء ، فإنّ الحزن إذا استولى على القلب فتصعد البخارات المتولَّدة من حرارة الباطن به سبب الحزن والألم ، فيستحيل عند تصاعدها إلى الدماغ ماءً و ـ تتقاطر من مجارى الدمع ، وإلا فيوجب بياض العين ، كما في حق يعقوب ـ على نبينا وآله وعليهالسلام ـ حيث قال تعالى : (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ) (٢).
__________________
١. سورة آل عمران ، الآية ٣٦.
٢. سورة يوسف ، الآية ٨٤.