الأخبار أنّ إنعقاد نطفتهم وتولدهم ونشؤهم وحياتهم ومماتهم لا تشبه بشيء من أحوالنا ، وإليه الإشارة في بعض فقرات الزيارة الجامعة : ونفوسكم في النفوس ، وآثاركم في الآثار ، وأجسادكم في الأجساد ، وأسماؤكم في الأسماء ، وقبوركم في القبور ، فما أحلى أسماءكم ، وأكرم أنفسكم ... الخ ، يعني ؛ إنهم مع كونهم بين الناس ، أجسادهم بين أجساد الناس ، وأسماؤهم بين أسماء الناس ، وقبورهم بين قبور الناس ، فلا تشبه أحوالهم بأحوالهم ـ ولكن مع ذلك فالأحكام الإلهية من الواجبات والمحرمات والآداب والسنن لا فرق فيها بين الرعايا وبينهم.
إلا أنّه نقول : كما أن لنبيّنا صلىاللهعليهوآله خصائص قد عدَّها العلماء ـ أيدهم الله تعالى ـ في باب الواجبات والمحرمات وغيرها ، فأكثرها مخصوصة بنفسه ، مثل حلّية أزيد من أربع نساء بالنكاح الدائم ، وبعضها يشترك معه علي عليهالسلام وبنوه ، مثل ما نحن فيه من الجنابة في المسجد والبيتوتة فيه وفتح باب بيته فيه ، كما كان محلَّلاً في حق موسى وهارون وذريتهما.
ولا يخفى أن الحكمة في ذلك بيان اختصاص المسجد بهم ، كما يُستفاد من التنظير بموسى وهارون اللذين جُعل بيوتهما لقومهما ، وكان المسجد الذي هو بيت الله بيت نبيه ؛ إذ الخالق ليس جسماً يسكنه ؛ فإن الانتساب إلى النبيّ والوصي انتساب إلى الله تعالى ، وحيث إنّ إقامة شعائر الله وإحياء دين الله وإصلاح اُمور عباد الله به سبب الرئيس ومولى الكل ، فمَقَرُّ الخلافة ومركز الحكومة هو المسجد ، وهو بيت الرئيس ، فلذلك قد أباح الله تعالى له ولذريَّته النوم والبيتوتة والاحتلام ومناكحة النساء لهم فيه ، كما أباح ذلك لسائر الناس في بيوتهم.
هذا كله مع أنهم يراعون كمال التأدب في أمثال تلك الموارد ، وإنما الغرض بيان امتيازهم وحفظ مراتبهم وشؤوناتهم.
قوله عليهالسلام : «ثم قال له أنت أخي ووصيّي ووارثي» إلى آخره.
المعنى واضح ، والخبر المروي في البحار (١) عن كتاب إعلام الورى (٢) للطبرسي عن جابر مشتمل على أكثر مضامينه ، قال : لما قدم عليٍّ عليهالسلام على رسول الله صلىاللهعليهوآله بفتح خيبر ، قال له رسول الله : لو لا أن تقول فيك طوائف من اُمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم ، لقلت فيك
__________________
١. بحار الأنوار ، ج ٣٩ ، ص ١٨.
٢. إعلام الورى ، ج ١ ، ص ٣٦٦.