والخالقية قد أعطاها لنبيِّه ، أي نزّله بمنزلته في تلك الأولوية ، وهو أيضاً نزّ علياً عليهالسلام بمنزلته ؛ حيث فرّع على قوله وقال : «فمن كنت مولاه» ليُفهم المستمعين أن «المولى» مأخوذ من الأولوية السابقة لا بمعنى المحب أو الناصر ؛ إذ لا أهمية في ذلك المعنى ، بحيث يعاتَب النبيّ على عدم تبليغه بقوله : (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (١) ، ولا لخوف النبي إبلاغه حتى وعده الله تعالى بالعصمة : (وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ) (٢) ، ولا لإمساك الناس في صحراء لا فيها ظل ولا مسكن ، إلى غير ذلك من القرائن والشواهد على إرادة المعنى المهم ، وهو أولوية التصرف والرئاسة المطلقة التامة.
قوله : «وأحلَّه محلَّ هارون من موسى» إلى قوله «وسدّ الأبواب إلا بابه».
العبارة الاُولى إشارة إلى ما قاله كراراً : يا علي ، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبيَّ بعدي ، (٣) قاله في موقع الحركة إلى غزوة تبوك ، حيث استخلف عليّاً في المدينة ، فعابه المنافقون وقالوا : «لم يستصحبه لتشأَمه!». فشكى عليٌّ إليه صلىاللهعليهوآله ذلك ، فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبيَّ بعدي؟
وقد استدل جمع من علماء الإمامية بهذا الحديث المرويِّ بطرق الفريقين على الإمامة والخلافة ؛ لأن ظهور التنزيل في جميع الآثار والأوصاف ، [لا] سيما بقرينة الاستثناء ؛ فإنه دليل العموم. ولو سُلِّم فيدلّ على الآثار الشائعة ، والخلافة من الآثار الشائعة ، حتى قال له موسى : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٤). هذا كله واضح.
وفي التعبير بعبارة «إلا أنه لا نبي بعدي» نوع حزازة بالنسبة إلى سابقها ، حيث قال : «وأحلَّه محل هارون» بصيغة الغيبة ، فهو من قبيل الحكاية بعين العبارة في الاستثناء.
وكيف كان ، فما كان لهارون من المراتب والمقامات بالنسبة إلى موسى فهي لأمير المؤمنين عليهالسلام ، فكما أنه كان شريكه في كون بيته مسجداً والبيتوتة فيه ، فكذا كان عليُّ شريك رسول الله في ذلك ، وكذا في سدّ الأبواب كلها إلا باب علي ، فشرك مع النبي في ذلك.
__________________
١. سورة المائدة ، الآية ٦٧.
٢. المصدر السابق.
٣. الهداية ، ص ١٤٣ و ١٥٧ ؛ المحاسن ، ج ١ ، ص ١٥٩ ، ح ٩٧ ؛ الكافي ، ج ٨ ، ص ١٠٧ ، ح ٨٠ ؛ الغدير ، ج ١ ، ص ٥١ و ١٩٨ ؛ السنن الكبىر ، ج ٥ ، ص ٤٤ ، ح ٨١٣٨ ـ ٨١٤٣ بعبارات وطرق شتى ؛ خصائص أمير المؤمنين عليهالسلام للنسائي ، ص ٥٠ و ٧٦ ؛ مسند أبي يعلى ، ج ١ ، ص ٢٨٦ ، ح ٣٤٤.
٤. سورة الأعراف ، الآية ١٤٢.