وهو ثابت على التقديرين ؛ فإن نساء النبي على هيئة الجمعية إنما كانت بها ، وأما في مكة فزوجته صلىاللهعليهوآلهوسلم هي خديجة سلام الله عليها ، وبعد وفاتها لم يثبت إلا عدة شهور فاُمر بالهجرة.
ومع هذا فنقول : لا تلازم في الآيات القرآنية بين الصدر والذيل ، فربما يقع فيها التفات ، وهو أيضاً من فنون البلاغة ، فكما وقع الالتفات في آية يوسف : (أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ) (١) مع وجود واو الرابطة بين الجملتين ، فأوّلها خطاب ليوسف ، ثم التفت إلى زليخا. والأمر في المقام بالعكس ؛ فإنّ الأوّل التفات من المعصوم إلى غير المعصوم ، وفيما نحن فيه بالعكس.
ولا يخفى ما في هذا الالتفات من دقائق النكات بعنوان التعريض ، عكما أن إعطاء سورة البراءة للأوّل ليحملها إلى مكة ، ثم أخذها وإعطاؤها لأمير المؤمنين عليهالسلام ، فيه من توهين الأوّل وتبجيل عليٍّ ما ليس فيما لو أعطى السورة عليّاً عليهالسلام من أوّل الأمر ، فكذلك الخطاب المتوجه أولاً إلى نساء النبي بالتخويف والإنذار بقوله : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ) (٢) الآية ، ثم التوجه إلى جماعة اُخرى بوعد التطهير والعصمة تعريضاً بأنّ الجماعة الاُولى ليست قابلة لهذه المراتب.
هذا كله مع أن لفظ «أهل البيت» كالنص فيما ذكرنا ؛ إذ ليس للنساء حق في البيت ليكون مصححاً للنسبة. ودفنُ الرجلين في بيته ـ بزعم حق المرأتين ـ قد أجاب عنه الحسن بن فضال فيما حكم به أبو حنيفة ؛ على ما في الاحتجاج (٣) وغيره (٤). وقد أشار إلى بعض الجواب ابن عباس في قبالها مخاطباً لها يوم ممانعة حمل جنازة الحسن المجتبى إلى روضة جده بأمر منها ، فقال :
تجَمَّلتِ تبَغَّلتِ |
|
وإن عشتِ تفَيَّلتِ |
لكِ النُسعُ من الثُّمنِ |
|
وبالكلِّ تمَلَّكتِ (٥) |
__________________
١. سورة يوسف ، الآية ٢٩.
٢. سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.
٣. الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ١٥٠.
٤. الفصول المختارة ، ص ٧٤ ؛ كنز الفوائد ، ص ١٣٥.
٥. الإيضاح للفضل بن شاذان ، ص ٢٦٢ ؛ شرح الأخبار للقاضي نعمان ، ج ٣ ، ص ١٢٥ ؛ الخرائج والجوارئح ، ج ١ ، ص ٢٤٣.