ولنرجع إلى بيان باقي الفقرات :
قوله في الدعاء : «وقلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» الخ.
أقول : وإن كان القرب يقتضي عطف هذه الجملة على «بوّأته» ، ولكنه لا يصح ؛ لأن المعطوف عليه في مكة كما يشعر به ما بعده : «وجعلت له ولهم ...» وآية التطهير نزلت في المدينة ؛ لاتفاق المفسرين على أنها نزلت في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين سلام الله عليهم ، حتى أن أمير المؤمنين عليهالسلام قد احتج بها في موارد عديدة في ملأ من المهاجرين والأنصار ، فلم ينكر عليه أحد منهم :
منها : ما في الإكمال (١) : أن أمير المؤمنين عليهالسلام قال في المسجد في خلافة عثمان في ملأ جمع من المهاجرين والأنصار : أيُّها الناس ، أتعلمون أن الله عزّ وجلّ أنزل في كتابه : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (٢) ، فجمعني وفاطمة وابنيَّ حسناً وحسيناً ، وألقى علينا كساءً وقال : «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي ولحمتي ، يؤلمني ما يؤلمهم ، يحرجني ما يحرجهم ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً». فقالت اُمّ سلمة : وأنا يا رسول الله؟ فقال صلىاللهعليهوآله : أنت ـ أو أنّك ـ على خير ؛ إنما نزلت فيَّ وفي أخي وفي ابنتيَّ وفي ابنيَّ وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصة ، ليس معنا أحد غيرنا. فقالوا كلهم : نشهد أنّ اُمّ سلمة حدثتنا بذلك ، فسألنا رسول الله فحدثنا كما حدثتنا اُمّ سلمة رضياللهعنها. انتهى.
ومن الواضح أن تزويج اُمّ سلمة وتولد الحسنين كان بالمدينة بعد سنين عديدة من الهجرة ، فلا يناسب العطف بالواو على «بوّأته» الواقع في مكة بالواو الظاهرة في الجمعية.
فإن قلت : كيف تقول هذه الآية في حق هؤلاء ، مع أن صدر الآية في حق نساء النبي ، حيث قال : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) (٣) الآية؟
قلت : أما بالنسبة إلى المطلب الذي استشهدنا بالآية ، فلا فرق بين توجه الخطاب إلى أهل البيت أو إلى نساء النبي ؛ فإن المقصود كون تلك الآية كأصل سورة الأحزاب مدنيّة ،
__________________
١. إكمال الدين ، ص ٢٧٨ ؛ الغيبة للنعمائي ، ص ٧٢ ؛ الاحتجاج ، ج ١ ، ص ٢١٥ ؛ بحار الأنوار ، ج ٣١ ، ص ٤١٣.
٢. سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.
٣. سورة الأحزاب ، الآية ٣٢.