وكيف كان ، فهذا الاستبعاد من حيث وقوع سير مسافة خمسين ألف عام في الليلة أو ثلثها للجسد العنصري يمكن اندفاعه بملاحظة نظائره ، فكما أن صعود البدن العنصري ـ على رغم الخصم ـ إلى هذه المسافة مستبعد ـ بل أحالوه على معتقدهم ـ فكذا هبوط الجسم اللطيف إلى الأرض في هذه المدة ؛ كجبرئيل والروح وسائر الملائكة في أقل من تلك المدة ، وإن شئت فلاحظ حركة فلك الأفلاك أو العرش بلسان الشرع ؛ فإنّ مسيره صلىاللهعليهوآله في معراجه محدود به ، حتى أن شبهة مسألة الخرق والالتيام مندفعة بهذا المطلب ؛ إذ بطلانه على تقدير التسليم منحصر في الفلك المحدِّد للجهات ، وهو الفلك الأطلس أو فلك الأفلاك ، وهو على معتقَد القدماء متحرك كل يوم حركة تامة ، أي تمام الدورة.
وقد ثبت في الهندسة أن نسبة القطر إلى المحيط كنسبة الواحد إلى ثلاثة وسُبع ، وعلى هذا فنسبة نصف القطر ـ وهو مسافة مسيره من الأرض إلى فلك الأفلاك ـ إلى نصف المحيط ، أعني مسير جزء من المنطقة في ليلة واحدة ، معتدلة أيضاً كنسبة الواحد إلى ثلاثة وسُبع ؛ ضرورة عدم تفاوت النسبة إذا قسّم طرفا النسبة على عدد واحد. مثلاً إذا كان نسبة الأربعة إلى الاثني عشر بالثلث ، فكذلك النسبة محفوظة لو قسم الطرفان على اثنين ، أي نصف كل منهما ، أي نسبة الاثنين إلى الستة ، كما هو قضية التناسب الهندسي ؛ لتجدنَّ مدة السير أقل من ثلث الليل على ما في بعض الروايات.
وإن شئت فلاحظ الإبصار ـ على القول بخروج الخط الشعاعي من البصر ـ حتى تنطبق قاعدة المخروط على المبصَر ورأسه في البصر ، فإذا أبصرت زحل أو المريخ مثلاُ كيف يخرج الخط ويتصل في هذه المسافة البعيدة إلى المبصَر. وقد عرفت ما يؤيد ذلك في وصول الشعاع وسيره في كل ثانية قبل ذلك.
وإن شئت فلاحظ الحركة البرقية الإلكتريكية كيف يخابر من بلدة الرضائية (اُرومية) مَن بطهران بالخطوط البرقية ، فينقل الصوت في مسافة مئة فرسخ بل أزيد في أقل من ثانية.
ولعل تسخير البراق لمعراجه صلىاللهعليهوآله إنما هو لسرعة سيره ، أخذاً من البريق واللمعان كما في سير الأشعة ، أو من البرق كما في الخطوط البرقية.
فقد يتحمل من جميع ما ذكرنا إمكان المسألة عقلاً وإن كانت مستحيلة عادة. ولا بأس به ؛ لأنه موضوع الإعجاز وخارق العادة ، وكفى في الوقوع الأخبار الكثيرة المعتبرة الواردة