الملائكة كانت له عند الله منزلة عظيمة ، فعتب عليه ، فأهبطه من المساء إلى الأرض ، فأتى إدريس عليهالسلام فقال له : إن لك عند الله منزلة ، فاشفع لي عند ربك. فصلّى ثلاث ليال لا يفتر ، وصام أيامها لا يفتر ، ثم طلب إلى الله عزّ وجلّ في السَّحَر في الملَك ، فقال الملك : إنك قد اُعطيت سؤلك ، وقد أطلق الله لي جناحي ، وأنا أُحبّ أن اُكافئك ، فاطلب إليّ حاجة. فقال : تريني ملكَ الموت لعلّي آنس به ؛ فإنه ليس يهنأ مع ذكره شيء. فبسط جناحيه ثم قال : إركب. فصعد به، فطلب ملك الموت في السماء الدنيا ، فقيل له اصعد ، فاستقبله بين السماء الرابعة والخامسة ، فقال الملك : يا ملك الموت ، ما لي أراك قاطباً؟ قال : العجب إني تحت ظل العرش حيث أمرت أن أقبض روح آدمي بين السماء الرابعة والخامسة. فسمع إدريس عليهالسلام ، فامتعض ، فخرّ من جناح الملك، فقُبض روحُه مكانَه، وقال الله : (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا)(١). انتهى.
وقال في حق عيسى : (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ) إلى قوله : (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) (٢) [أي رفعه] إلى السماء الرابعة.
وفي الخبر : ضجّت الملائكة لما رأوه لابساً لثياب خشنة عارية في الدنيا عن العلائق الدنيوية من المال والعيال والأولاد والمسكن وغيرها ، فأوحى إليهم : أن : فتِّشوه. فلما فتشوا وجدوا معه إبرة ليخيط بها قدّ قميصه ، فقال الله تعالى : لو لا أن له علاقة بالدنيا بقدر الإبرة لرفعته إلى السماء السابعة (٣).
أقول : وحيث إنّ لنا علائق بالدنيا من الثرى إلى السماء السابعة فلا نرفع بقدر الإبرة ، وأما نبينا صلىاللهعليهوآله خاتم الأنبياء فلم يتعلق قلبه الشريف بعلائق الدنيا ذرّة ، فخصَّه الله تعالى بفضيلة المعراج ، كما أشار إليه في سورة الإسراء : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) (٤) الآية.
وقد اختلفوا في معراجه صلىاللهعليهوآله من حيث الكم والكيف والوضع والأين والمتى والجدة :
فالاختلاف الكمي من حيث وقوع المعراج مرّة واحدة كما هو المتيقَّن؟ أو مرتين كما ورد في الخبر المروي في الكافي (٥) عن الصادق عليهالسلام ، حيث سُئل : كم عُرج برسول الله صلىاللهعليهوآله؟
__________________
١. سورة مريم ، الآية ٥٧.
٢. سورة النساء ، الآيتان ١٥٧ و ١٥٨.
٣. لم نعثر على هذا الخبر مع كل جهدنا.
٤. سورة الإسراء ، الآية ١.
٥. الكافي ، ج ١ ، ص ٤٤٣ ، ح ١٣ ؛ الصافي ، ٣ ، ص ١٦٧.