في بعض النسخ بالفك ، وعلى الإدغام في كليهما كما في بعض النسخ الاُخرى ، فهو من قبيل التجنيس الخطي ، وهو التوافق بين اللفظتين في الكتابة مع قطع النظر عن الحركات بل النقاط أيضاً ، كما في الآية الشريفة : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (١).
وكذا فيما كتب أمير المؤمنين عليهالسلام إلى معاوية بن أبي سفيان : غُرَّك عِزُّك ، فصار قُصارى ذلك ذِلّك ، فاخْشَ فاحِشَ فِعْلِك ، فَعَلَّك يهذي تهتدي. فكتب في الجواب : «على قدري ، على قدري» (٢).
المعنى :
اعلم أنه لما كان الأصل في المسند التنكير كما أن الأصل في المسند إليه التعريف ، فإذا كان المسند معرفة باللام فيكون هذا التعريف مفيداً للتخصيص في الأغلب ، فقولك : «زيدٌ الأمير» يفيد اختصاص الإمارة بزيد ، سواء كان اللام للجنس ـ كما هو الأصل ـ أو الاستغراق ؛ لأن مقتضى الحمل هو الاتحاد ، فإذا صار الاتحاد بين زيد وبين جنس الأمير أو تمام أفراده ، فمفاده الحصر ولو ادعاءً ، فكذلك إذا كان التعريف بالإضافة إلى المعرَّف باللام ، كما في قوله : «اللهم أنت كشَّاف الكُرَبِ» ، فيفيد اختصاص الكشف للكروب بذاته الأقدس.
وهذا هو وجه العدول عن المطلب السابق والتمسك والاعتصام بحضرة ذاته الأقدس ، وقد صُرِّح بهذا الحصر بوجه أوضح في العبارة التالية بتقديم المعمول ، حيث قال : «وإليك أستعدي» كما سبقت الإشارة. وكل ذلك من باب المقدمة وتهيئة المقام وتوطئة للسؤال الآتي ، حيث قال : «فأغِثْ يا غياثَ المستغيثين» بفاء التفريع ؛ ليكون فرعاً على الحصر السابق.
ولما كان أقرب الأشياء إلى كل شخص نفسه ، فلابدّ في مقام حلب المنفعة الابتداء بنفسه ، كما حكي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ان إذا دعا بدأ نفسه ٣. ولهذا قدَّم الداعي نفسه وقال : «عُبيدك» بضم العين على التصغير ، ثم أراد بيان اتحاد المسلك مع سائر المحبين الموالين
__________________
١. سورة الشعراء ، الآيتان ٧٩ ـ ٨٠.
٢. أنظر : مناقب آل أبي طالب عليهمالسلام ، ج ١ ، ص ٣٢٦ ؛ بحار الأنوار ، ج ٤٠ ، ص ١٦٣ ، وج ٧٥ ، ص ٨٣ ، ح ٨٦ باختلاف.
٣. البحر الرائق ، لابن نجيم ، ج ١ ، ص ٥٧٦ ؛ مسند أحمد ، ج ٥ ، ص ١٢١ ؛ سنن أبي داوود ، ج ٢ ، ص ٢٤٥ ، ح ٣٩٨٤.