فيه ورجع إلى الأصل ، وهو كون الإمام غائباً ، فأظهر الأسف على الغيبة بقوله : «ليت شعري أين استقرت بك النوى» إلى أن قال : «بنفسي أنت من مغيَّب لم يخل منا».
ولا يبعد أن يقال : قد جمع الخطاب والغيبة في أكثر هذه العبارات نظراً إلى الجهتين أو إلى الإمام والمأموم ؛ فإن الإمام شأنه أجل من الغيبة ، بل حاضر في كل مقام ، ولكن المأموم بعيد عن مقام القرب وغائب عنه.
وكيف كان فلما كثر الأنين والتأسف وإظهار التظلم إلى حضرة إمام العصر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ فلم يظهر منه ما يوجب الفرح والسرور وما يفيد الاطمئنان بوعد الظهور ، مع أنه أيضاً عبد مأمور ، (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (١) ، فالتفت من خطاب الإمام عليهالسلام إلى خطاب الباري والاستغاثة إليه والالتجاء به ، فقال : «اللهم أنت كشّاف الكرب والبلوى».
والتصغير في «عبيدك» وتوصيفه بالمبتلى للتهييج والترغيب إلى قضاء حاجته ؛ فإن السيد بمقتضى سيادته يكون غالباً بصدد الحماية من عبيده والمنتسبين إليه ، [لا] سيما إذا كان صغيراً ومبتلى ؛ لكونهما مرحومين بنظر العموم ، وكيف إذا كان سيده.
وكما أن تصغير العبد والتوصيف بالابتلاء له دخل في سرعة الإجابة ونيل المقصود ، فكذلك التعبيرات بقوله : «يا شديد القوى» و «يا من على العرش استوى» كلها من باب «التعليق على الوصف مشعرة بالعلية» وناطقة ببيان جهة الاختصاص وتوجه الخطاب والاستغاثة إليه تعالى.
قوله : «ما طلعت شمس وما أضاء قمر» كناية عن التأييد والخلود ، كما أن قوله تعالى في الآية : (خالدين فيها ما دامت السماوات والارض) (٢) أيضاً كذلك. وكذلك قولك : «أُصَلِّي عليك صبحاً ومساءً وليلاً نهاراً».
هذا في الاستيعاب الزماني ، وفي الاستيعاب المكاني يعبِّرون بالمشرق والمغرب ؛ وذلك لعدم خلو المكان عن أحدهما ، كما أن الزمان لا يخلو عن الليل والنهار بل عن الصبح والمساء ؛ فإن الصبح ممتد إلى الظهر كما أن المساء ممتد إلى الليل.
قوله : «أدِلَّ به أولياءك ، وأذِلَّ به أعداءك» الاُولى بالدال المهملة ، والثانية بالمعجمة [و]
__________________
١. سورة الأنبياء ، الآية ٢٧.
٢. سورة هود ، الآيتان ١٠ و ١٠٨.