وفي العبارة السابقة : «اللهم ونحن عبيدك التائقون» أي : اللهم ارحم والحال أنّا عبيدك ومنسوبون إليك ، فالتقييد للتهييج والتشويق بتذكار المناسبة.
ولا يبعد القول بما اختاره الفراء في أصل هذه الكلمة ـ حيث قال : أصلها «يا الله آمنّا بالخير» فخُفف بحذف الهمزة وغيرها ـ بأن يكون «وأقم» عطفاً على الأمر المذكور ، وقوله : «ونحن عبيدك» حالاً عن المفعول في «آمنا». واعتراض الرضي ـ بقوله : وليس بوجه ؛ لأنك تقول : «اللهم لا تؤمهم بالخير» ـ ليس بوجه ؛ لعدم التناقض ؛ لاختلاف المتعلَّق كما هو واضح.
قوله : «ريّاً رويّاً» مفعول مطلق من قوله : «واسقنا» ، غاية الأمر أنه مصدر من غير لفظ فعله كما في «قعدتُ جلوساً». والتوصيف بالرويّ يجعله نوعياً ، وهو مبالغة في الري ، مثل «شعر شاعر».
البلاغة :
اعلم أن الالتفات باب في علم المعاني واسع ، ولابدّ له من نكتة ، كما قالوا في قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (١) بعد قوله : (الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (٢) إلى ما بعده من صيغ الغيبة ، فالعدول إلى الخطاب من الغيبة بملاحظة أن التحميد والتقديس ابتداءً كأنه صار مقرِّباً إلى حضرته تعالى. أو أن بذكر الأوصاف عرف الموصوف ، كأنه صار ممثَّلاً بين يديه فخاطبه خطاب العيان.
ففي المقام حيث إنّ إمام العصر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ وإن كان حاضراً يرانا في كل آن ومكان ، ولكن لا نراه على الرسم ، فهو غائب مستور عن أبصارنا ، وليس معلوماً لنا مكانه ومحله ، فالتعبيرات الأولية بقوله : «أين بقية الله التي لا تخلو» الخ ، ناظرة إلى مقام الغيبة والاحتجاب عن الأنظار ، وبعد ذكر أكثر الأوصاف المختصة بوجوده الأقدس كأنه صار ممثَّلاً ومغيَّباً يصلح للخطاب ، مع كون ذلك التمجيد سبب نوع قرب وزلفى للمتكلم ، فصح التعبير بالخطاب والعدول من الغيبة إليه في قوله : «ونفسي لك الوقاء يا بن السادة المقرَّبين».
وحيث إنّ هذه الصفات العالية والخصال الحميدة السامية أجلّ وأعلى من أن يواجه المتكلم صاحب تلك الصفات [لا] سيما بعنوان التنزيل والادّعاء ، فتواضع وتنزّل عما هو
__________________
١. سورة الفاتحة ، الآية ٥.
٢. سورة الفاتحة ، الآية ٢.