تُخْلِفُ
الْمِيعادَ) (آل عمران : ١٩٤)
، فلم عدل عن الخطاب هنا؟ قلت : إنما جاء الالتفات في صدر السورة ،
لأن المقام يقتضيه ، فإن الإلهية تقتضي الخير والشر لتنصف المظلومين من الظالمين ،
فكان العدول إلى ذكر الاسم الأعظم أولى. وأما قوله تعالى في آخر السورة : (إِنَّكَ
لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) (آل عمران : ١٩٤)
؛ فذلك المقام مقام الطلب للعبد من ربه أن ينعم عليه بفضله ، وأن يتجاوز عن سيئاته
، فلم يكن فيه ما يقتضي العدول عن الأصل المستمرّ.
البحث الرابع [في شرطه]
تقدم أنّ شرط
الالتفات أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائدا في نفس الأمر إلى المنتقل عنه ؛
وشرطه أيضا أن يكون في جملتين ، أي كلامين مستقلين ، حتى يمتنع بين الشرط وجوابه.
وفي هذا الشرط نظر!
فقد وقع في القرآن مواضع ، الالتفات فيها وقع في كلام واحد ؛ وإن لم يكن بين جزأي
الجملة ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا
بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) (العنكبوت : ٢٣).
وقوله : (وَما
كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا
عَلَيْهِمْ آياتِنا) (القصص : ٥٩).
وقوله : ([وَامْرَأَةً] مُؤْمِنَةً
إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) (الأحزاب : ٥٠) ،
بعد قوله : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) (الأحزاب : ٥٠) ، التقدير : إن وهبت امرأة نفسها للنّبيّ (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) (الأحزاب : ٥٠) ، وجملتا الشرط والجزاء كلام واحد.
وقوله : (وَيَوْمَ
يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ) (الفرقان : ١٧).
وقوله : (إِنَّا
أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (الفتح : ٨ ـ ٩) ؛ وفيه التفاتان : أحدهما بين «أرسلنا»
والجلالة ، والثاني بين الكاف في «أرسلناك» «ورسوله» وكلّ منهما في كلام واحد.
__________________